Author

تنظيم سوق العمل .. «الحملة» لا تكفي!

|
أخيراً قامت إدارة الجوازات بحملة قوية وصارمة لملاحقة العمالة غير النظامية بعد أن عاثت في الأرض فسادا وامتصت خيرات البلد ولامس خطرها أمن الوطن واستقراره. ولا يجادل عاقل في ضرورة التخلص من خمسة ملايين وافد غير نظامي مهما وقع من الأخطاء في الحملة ومهما بلغ التأثير السلبي المؤقت في بعض القطاعات والخدمات. لم تكتف العمالة المخالفة بالاستئثار بخير البلد عن طريق التستر فتعمل تحت اسم مواطن لا يعلم عنها شيئا سوى مبلغ يدفع له كل شهر فيما ترفع أسعار خدماتها وتخفض أسعار المنتجات؛ لأنها تبيع المغشوش والمسروق من قطع الغيار والأطعمة الفاسدة والبضائع المقلدة كالعطور والأصباغ والمنتجات الرديئة في المناجر والورش، فضلا عن صيانة السيارات وغيرها من الأمثلة. أعرف بعض الشباب الذين حاولوا ممارسة التجارة في محال صغيرة فواجهتهم حرب شرسة من العمالة الوافدة التي تنافسهم فتضرب الأسعار وتحتكر التوزيع وتتفق مع العمالة الأخرى حتى تجبر المواطن على تسليم المحل لهم بنظام التستر! وضرب الفساد أطنابه حتى تستر بعض رجال الأعمال والأثرياء على عمالة بأسمائهم! تجرأت العمالة المخالفة فمارست الجرائم الأخلاقية وهربت الخادمات ووزعت الخمور وعرضت أمن البلد للخطر. وفي المقابل أحبطت الشباب الذين قتلتهم البطالة حتى وجدنا 80 في المائة من السجناء المواطنين من العاطلين! ظلت الجوازات والبلديات ووزارتا التجارة والعمل تتقاذف المسؤولية لسنوات حتى سيطرت العمالة على السوق فأصبحت البقالات والمحال الصغيرة بأنواعها وورش السيارات حكرا على العمالة، فـ70 في المائة من ورش الذهب في الشرقية غير نظامية تبيع المغشوش والمسروق! و40 في المائة من سائقي الليموزين في جدة من المتخلفين؛ لذا توقف مقاولون نتيجة الحملة وأغلقت مدارس خاصة وغاب حراس أمن شركات واختفت العمالة من الشوارع! التخلص من العمالة المخالفة لا يكفي، فنحن في حاجة إلى نظام وقائي يمنع عودتها ويغلق منافذها وكلنا نعرفها! من الضروري الإعداد للحملة المضادة التي ستتهم المملكة بالتعسف مع العمالة، فقد فوجئت بلقاء أجرته الـ''بي بي سي'' مع رئيس مركز دراسات في جدة يعرض استعداده للدفاع عن وافد أبعد بسبب عمله لدى شركة أخرى رغم وجود ورقة من كفيله! كيف يجهل أن الورقة ليست إلا غطاء لتمرير العمالة السائبة في السوق وليست عقدا لتأجير عمالة من شركة متخصصة وفق بنود ومدة زمنية محددة؟! نحتاج إلى حملة إعلامية تشمل الأسواق والجوامع تبين للمواطن الجاهل ضرر التستر على الاقتصاد والأمن وتحذر من عاقبته وتدعوه للإبلاغ عن تجمعات العمالة أو من لديه تأشيرات سائبة في سوق العمل! في الجانب الأهم علينا أن نستثمر هذه الفرصة لتصحيح وضع سوق العمل ونموذج توطين الأعمال، فهناك عوامل عدة تؤثر في توازن العمالة الوافدة والمحلية كمخرجات التعليم والتراخيص التجارية وصناديق دعم المبادرات ونظام التأشيرات وآلية دعم المنتج الوطني؛ فالأمر ليس متوقفا على حملات الجوازات! وأسرد هنا بعض الأفكار دون تفصيل وكلنا أمل أن تبادر الجهات المعنية لتبنيها: - تتسرب العمالة من الشركات عند انتهاء مشاريعها؛ لأن وزارة العمل أوقفت العمل بتأشيرات زيارة العمل المؤقتة التي تصل مدتها إلى سنتين دون تجديد مع أنها أفضل آلية لضمان مغادرة العمالة بعد انتهاء المشروع! - يشكو صناعيٌ كبير من أنه رغم التزام مصانعهم بالسعودة فإن المناقصات الحكومية ومشاريع الشركات الكبرى مثل ''أرامكو'' و''سابك'' و''الكهرباء'' لا تطبق التعليمات الحكومية التي تلزمهم باستخدام المنتج الوطني، رغم أن في ذلك دعما مباشرا للسعودة! - رجل أعمال التزمت شركته بالسعودة، لكنها وضعت في النطاق الأحمر؛ لأن السعوديين لا يسجلون إلا بعد مضي ثلاثة أشهر! - تجب معاقبة الشركات التي تتستر بالتوظيف الوهمي لرفع نسبة السعودة! - الشباب يشتكون من تعقيد آلية الحصول على دعم مشاريعهم بالقروض. دربوهم وأقرضوهم ثم ادعموهم، فليست المسألة تعبئة نماذج! - الشركات الكبرى التي تود التخلص من بعض الأعمال الصغيرة يمكنها اختيار شباب ودعمهم لتأسيس مؤسسات تقوم بهذه الأعمال تماما كما أسست ''أرامكو'' صناعة الألبان وتربية الدواجن والمغاسل والمصانع! - على الغرف التجارية المبادرة بتأهيل الشباب لإقامة مشاريع صغيرة تحل مكان العمالة التي ستخرج مثل أعمال الصيانة المنزلية وورش الحدادة والمناجر ومحال العطر والبقالات وغيرها. أقيموا دورات وهيئوهم وشجعوهم وقدموا لهم التوجيه والدعم في مراحل التأسيس. - يجب أن تنشئ كل غرفة تجارية مركزا يتابع السوق ويقيس معدلات البطالة ونسب الوافدين في كل مهنة للتنسيق مع برامج التوظيف والكليات والجامعات التي تخرج لنا الموظفين الجدد. - شجعوا وافتحوا المجال للعمل بوقت جزئي والعمل عن بعد فهي مفيدة للمواطن وصاحب العمل. - لا بد من إيقاف منح التأشيرات، فأمن الوطن ومستقبل أبنائه أهم! - يجب إعطاء مرونة أكبر في منح التأشيرات لأصحاب العمل الحقيقيين الصادقين، فهم شركاء وليسوا أعداء، وعليهم تعتمد سوق العمل ولن يبخلوا بتوظيف أبناء الوطن. أفكار تصحيح سوق العمل وتنظيمها وتطويرها كثيرة، لكننا في حاجة إلى من يبادر فيتبناها وينسق مع الجهات المعنية، فمستقبل الملايين من أبنائنا وأمن وطننا وحماية اقتصادنا في حاجة إلى اهتمام أكبر وليست مسؤولية يضيع دمها بين قبائل الوزارات!
إنشرها