Author

كريستوفر .. يا أحمد!

|
أحمد شاب قروي بسيط يبلغ 25 من عمره، حصل على شهادة الثانوية، وظل بعدها خمس سنوات يبحث عن عمل بلا جدوى، إلى أن وجد وظيفة ''سكيورتي'' في مجمع تجاري براتب 1500 ريال، وحين جاء نظام حافز لم يتردد أحمد في ترك العمل، والتسجيل فيه، فعلى الأقل سيحصل على ألفي ريال طوال عام كامل وهو نائم في بيته، وبعدها لكل حادث حديث. كريستوفر شاب فلبيني جامعي يجيد اللغة الإنجليزية، جاء إلى المملكة قبل عشر سنوات وعمل في شركة عالمية واكتسب خبرة مهنية عالية ودقة متناهية في فهم أسرار عمله، إضافة إلى أنه حاصل على عدة دورات في مجال العلاقات العامة وكيفية التعامل مع الآخرين. تم تعيين أحمد وثلاثة سعوديين آخرين في الشركة التي يعمل فيها كريستوفر نفسها، وفي قسم خدمة العملاء نفسه، حرصا من وزارة العمل على ''السعودة'' وتوطين الوظائف، لكن ما حدث بعد ذلك أظهر بشدة أن هناك خللا ما، فإن تمنح رجلا يسير في الشارع بملابس عسكرية وتعطيه ''كلاشنكوف'' فذلك لا يصنع منه جنديا ناجحا! لم يكن الشباب السعوديون يشكلون مصدر تهديد بالنسبة لكريستوفر، خوفا منهم على وظيفته بقدر ما كانوا يشكلون مصدر عبء عليه، فهم يرجعون إليه في كل شاردة وواردة، ولو تغيب عن القسم لدقائق فقط ''لغرقوا في شبر مويه''، فهم لا يجيدون اللغة الإنجليزية إطلاقا، وفي إحدى المرات جاءت سيدة أجنبية من أجل استبدال بضاعة معها، كانت تتحدث الإنجليزية ولم يفهم أحمد ما تقول، وبدأ الغضب يسيطر عليها من ''دلاخة'' هؤلاء الموظفين الذين لا يفهمون شيئا، فصرخ أحدهم ''كريستوفر.. يا أحمد'' واتصل أحمد بكريستوفر ''ينتخي به'' وخلال ثوان حضر وتم حل المشكلة، وهو يتمتم متبرما من سوء حظه الذي رمى إليه بثلاثة موظفين سعوديين لا يفقهون شيئا! هل الشباب السعودي فاشل ويفتقد المهنية كما صرح بذلك كاتب هندي في صحيفة هندية، داعيا العمالة الهندية إلى عدم الخوف من الترحيل إثر عمليات تصحيح أوضاع العمالة المخالفة لنظام الإقامة، لأنه - حسب رأيه - إن أحدا لن يسد مكانهم من المواطنين! أنا أؤمن بأن الشباب السعودي طموح وعنده رغبة قوية للمساهمة في بناء وطنه، لكن السعودة لا تعني أن نرمي بشبابنا في سوق العمل دون تدريب أو تأهيل، ثم نطالبهم بأن يكونوا بنفس كفاءة وإنتاجية الموظف المقيم صاحب الخبرة والمهنية العالية.. دون أن نمنحهم الوقت الكافي لذلك، أو حتى الثقة التي تساعدهم على تجاوز أي عقبات قد تعترضهم. السعودة ليست عملية قص ولزق وكيفما اتفق ''وسد فراغ''، بل يجب أن تكون عملية مدروسة بدقة وتمحيص، حيث يوضع كل شاب في المكان الذي يتوقع منه أن يكون منتجا فيه، ويلبي طموحه وتطلعاته، ويساهم في دفع عجلة التنمية في بلده، والسعودة ليست ماردا يختبئ في مصباح علاء الدين، حتى نتوقع منه أن يحقق أمنياتنا بشكل فوري مدهش على أرض الواقع، بل هي تحتاج منا إلى صبر ونفس طويل وهدوء وثقة نمنحها شبابنا، فالدول المتقدمة لم تبلغ أوجها بين يوم وليلة، بل احتاجت إلى عشرات السنين حتى تحقق كل هذا الإنجاز الذي نراه. إن آمن أحمد بقدرته على النجاح في عمله فسيتجاوز كل الصعاب التي تعترضه، دون أن ''ينتخي'' بكريستوفر!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها