Author

ما فعلته قراراتنا

|
من المعروف أن كل ما يحدث في الجهات الحكومية والخاصة هو نتيجة قراراتها التي اتخذتها، فمستوى كفاءة منسوبين المنشأة هو نتيجة قراراتها المتعلقة بالتوظيف، ومستوى خدماتها نتيجة قراراتها المتعلقة بتنظيم العمل وآلياته، وارتفاع مستوى جودة المنتجات في مصنع معين هو نتيجة نظم مراقبة الجودة التي يستخدمها، ونجاح وزارة في تنفيذ مشروع مهم هو نتيجة قرارها الصائب باختيار المقاول المناسب، وتطور خدمة ما في إحدى الوزارات هو نتيجة قرارها بتعديل الإجراءات وتسهيلها وقيامها برفع مستوى أداء منسوبيها، الواقع أن القرارات تدخل في كل شيء تقريبا باختلاف مستوياتها ومستويات متخذيها. إن القرارات هي العنصر الأهم في إدارة دفة العمل واتخاذها هو عمل الوزير أو عمل الرئيس التنفيذي الأهم، فيتم قبل اتخاذ القرارات إعداد الدراسات والبحوث واستشارة المستشارين لكي تكون تلك القرارات صائبة قدر الإمكان؛ لأن القرارات الخاطئة قد تسبب الكوارث الكبيرة والمأساوية والتي قد لا يمكن تداركها أو أن تكلفة تصحيحها ستكون باهظة، ولم نكن لنتكبدها لو تداركنا الأمر مبكرا، ومن هنا جاءت فكرة أن أهم صفة يجب أن يتمتع بها الوزير أو الرئيس التنفيذي هي أن يكون صانع قرارات جيدا. ولا يقتصر تأثير القرارات في البيئة الداخلية فقط، بل يتعداه إلى البيئة الخارجية؛ فعدد العاطلين عن العمل وعدد من يفقدون وظائفهم من السعوديين في القطاع الخاص سنويا، وأسباب عدم نجاح السعوديين في العمل في القطاع الخاص هي نتيجة عوامل عدة، من ضمنها قرارات وزارة العمل المتعلقة بالسعودة وقراراتها المتعلقة بالعاملين غير السعوديين في القطاع الخاص، وعدد المرضى الذين لم تتمكن وزارة الصحة من تقديم الرعاية الصحية لهم بسبب عدم وجود سرير فارغ في مستشفياتها، وعدد المرضى الذين تم تشخيص حالتهم المرضية بشكل خاطئ ومدى كفاية الأدوية في تلبية احتياجات المرضى، ومستوى تأهيل الكادر الطبي في المستشفيات والمستوصفات، وطريقة التعامل مع الحالات الطارئة، هي حالات لها علاقة بقرارات وزارة الصحة أو أن قرارات الوزارة قد أسهمت بقدر معقول فيها. وعلى الرغم من أهمية القرارات وخطورتها، إلا أننا لا نقوم بدراسة نتائج قراراتنا فنعرف مستوى تأثير تلك القرارات في البيئة الداخلية والبيئة الخارجية، وهذا يحتاج إلى وجود نظام جيد داخل المنشأة، نظام نعرف منه الحقائق بسهولة، إن النظام الجيد لا يضمن لك قرارات صائبة، ولن يحمي المنشأة من نتائج القرارات الخاطئة، بل سيجعلنا نعرف وبسرعة نتائج قراراتنا فنتخذ حيالها القرارات المناسبة ويحسن لدينا القرارات المستقبلية، وعلى ذلك النظام أن يجلب لنا المعلومات من خارج المنشأة لكي نستطيع معرفة نتائج قراراتنا في البيئة الخارجية. ولو كنا نتتبع قراراتنا وندرس نتائجها منذ 20 عاما فستزيد جودة قراراتنا بنفس المقدار، وسنتجنب أخطاءنا السابقة وسنحسن من أداء المهام المتشابهة التي تتكرر معنا في عملنا مثل تعبيد الطرق وبناء المستشفيات فنتدارك نقصا تم في هذا العمل فنحسنه في العمل المشابهة القادم، وهذه هي الخبرة التي ترفع من مستوى الأداء كما لا يفعله المؤهل العلمي، وأنا هنا لا أحط من قدر التعليم والشهادات الأكاديمية فلها أهمية كبرى نعرفها جميعا ونتفق على أهميتها ودورها في تطور الأعمال. إن تتبع نتائج القرارات هو عمل رئيس يجب على الإدارة العليا أن تقوم به، سواء كانت تعمل في وزارة حكومية أو شركة خاصة أو حتى في جهة خيرية؛ لأن ذلك من الأسباب الرئيسة التي تجعل تلك الجهة تعمل بكفاءة وفاعلية، وأنا أجزم هنا أن الوزارات التي لا تعمل بكفاءة لديها مشكلات، من ضمنها عدم تتبع قراراتها. ولا أعتقد أن تكابر أي إدارة إذا علمت أن أحد قراراتها خاطئ ويجب عليها أن تصححه فورا، فهي في الغالب ستفعل ذلك، المشكلة الرئيسة تكمن في أن الإدارة لا تعرف بالقرارات الخاطئة ولا تعلم عن أعراضها الجانبية، والمشكلة الأكبر أنها قد لا تعرف أن تتبع القرارات ودراسة تأثيراتها في البيئة الداخلية والخارجية هو من مهامها الرئيسة.
إنشرها