Author

طهران وإخوان مصر وتبادل الزيارات

|
جاء الوقت الذي أصرخ فيه بأعلى صوتي "ليتنا من حجنا سالمين". أيد كل العرب والمسلمين الثورة الشعبية المصرية في وجه حكم الرجل الواحد والحزب الواحد الذي سيطر على مقدرات مصر العروبة سنين طوالا. مهما قلنا وناقشنا في قضية الرئيس حسني مبارك، لم يكن أحد يتقبل منا أي رأي أو مخالفة للتيار السائد. لكن آن الأوان لأن أضع رأيي كمواطن مسلم عربي سعودي فيما يحدث في مصر. حقن الرئيس حسني مبارك دماء المصريين. من اليوم الأول كان الرئيس يدعو إلى التهدئة وطلب فرصة لإكمال سنتين يتم خلالهما التحضير لانتخابات نزيهة ــــ أو هكذا قال. لكنه لم يحصل على هذه المهلة، وهذا حق؛ لأن القرآن الكريم يؤكد أن التنازل عن الحكم لا يأتي برغبة شخصية، حتى إن كانت الدولة في الحضيض وليس فيها أي من عوامل الجذب السياسي أو الاقتصادي. يقول الله ـــ عز وجل ـــ "يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء"، أي أن الملك لا يؤخذ إلا انتزاعاً. وفيما حدث بالأمس القريب في انتخابات حركة "حماس" ما يؤكد ذلك . فالسيد خالد مشعل، ورغم أنه وعد بترك السياسة وإعطاء الفرصة لغيره، عاد ليرأس المكتب السياسي لحركة حماس. إنها السلطة يا سادة وقد شبهها العرب بالمرأة الحسناء التي يتناحر الرجال للفوز بها. أعود لموضوعي، تنازل السيد حسني مبارك عن السلطة بعد 18 يوماً من الاحتجاجات الغاضبة حقناً لدماء المصريين. عرضت عليه دول أن يلجأ إليها، بحكم تاريخه العربي المشرف، لكنه رفض. وقال في كلمته الأخيرة: حاربت من أجل مصر، وسأموت فيها. 18 يوماً لو قارناها بما فعله معمر أو بشار بشعبي ليبيا وسورية، لأخرج الشعب المصري الرئيس حسني مبارك من السجن، وضمنوا له حياة كريمة في أرضه التي تمسك بها. لكنه حال تاريخ الثورات، لا بد أن يمرِّغ المنتصر وجه المهزوم. فرح المسلمون بنصر الله، وحكم الإخوان مصر بناء على أغلبية حصدوها في الصناديق. نهج ديمقراطي ضارب الجذور. كان السعوديون أول من فرح بالانتصار الكبير، برغم ما عانته سفارتنا وبعض مواطنينا من اعتداءات لم تكن مبررة في حق المملكة الداعم الأكبر لمصر وشعب مصر عبر التاريخ الحديث. لكن ذلك الحال لم يكن سوى علامة للحال الجديد في مصر. ظن الناس أن سيطرة الإخوان على مقاليد الحكم ستزيل مظاهر العلمانية، وستدعم مبادئ وأخلاقيات الإسلام، وستعيدنا لأيام عز ونصرة الإسلام، فماذا حدث؟ استمر الخلاف بين مكونات الشارع السياسي المصري، ولم ينج الشارع من التجاذبات. تصارع السياسيون وبدأت حفلة التخوين الكبرى. بدت مصر وكأنها غنيمة يحاول كل حزب أن يحصل على قطعة منها حتى إن أدى ذلك إلى الخراب. إن أهم ركائز الشريعة الإسلامية هي حفظ الضرورات الخمس وهي النفس والمال والعرض والدين والعقل، دون إقصاء لأي منها. لم يعد الناس يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم. فقدت الدولة أول ما فقدت الأمن، لم يعد أحد يرغب السفر إلى مصر، بل أصبحت بعض المناطق أكثر خطراً من مناطق العصابات في موسكو. قتل بعد الثورة أضعاف ما قتل في أثنائها بسبب هذا التكالب على السلطة. بدأت الحالة الاقتصادية في التردي، بسبب انعدام الثقة في الاقتصاد. بدأت رؤوس الأموال تحاول الخروج من مصر لئلا تكون فريسة ليوم يصل فيه الغضب إلى مصانعها ومزارعها ومنشآتها التي تعيش من ورائها أسر مصرية. فقدت سوق الأسهم المصرية أكثر من نصف قيمتها منذ اندلاع الثورة. ثم ما لبث النائب العام أن قرر الحجز على ممتلكات بعض المستثمرين السعوديين، الأمر الذي أضاف إلى سلبية النظرة إلى الاقتصاد المصري. يقول الدكتور هاشم بحري رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر: زادت نسبة الأمراض النفسية في مصر بعد الثورة بنسبة 30 في المائة، بحسب دراسة أجريناها في مستشفي الحسين الجامعي. ولن أناقش الاعتداءات الجنسية، بل أسأل الله أن يحمي أعراض الشعب المصري. فماذا بقي إذاً؟ يفتخر الإخوان المسلمون بأنهم يهدفون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية السمحة، لكن هل تصدق أفعالهم أقوالهم؟ منذ تولي الإخوان السلطة في مصر، زار الرئيس المصري إيران ورد عليه الرئيس الإيراني بزيارة مماثلة، أمر لم يحدث منذ أكثر من 35 عاماً. إيران التي سمت أحد شوارعها باسم قاتل الرئيس المصري أنور السادات. إيران التي ثبت أنها أرسلت إرهابيين إلى مكة المكرمة في عمليات قتل وإرهاب في الشهر الحرام وفي البيت الحرام. بل إن تقارير تحدثت عن عروض إيرانية لإرسال ملايين السياح واستقبال مثلهم، وقروض بمليارات الدولارات، بل طلبت الحكومة الإيرانية أن تشرف على المساجد التي بنتها الدولة الفاطمية، واستقطاب وتدريس آلاف المصريين في قم. يكاد لا يمر يوم دون أن نرى مسؤولاً إيرانياً يخرج علينا في الشاشات من القاهرة وهو يتحدث بكل صفاقة عن إيران ومخططاتها وعلاقتها المميزة مع مصر. آخرهم أطلق قنبلة من العيار الثقيل عندما أكد أن إيران تتفق مع اقتراح الرئيس مرسي بشأن الأزمة في سورية، ولا أعلم أي اقتراح ذلك، فمصر كانت مع قرار إلغاء عضوية النظام السوري في الجامعة، وكانت مع منح مقعد سورية للمعارضة. كان الرجل يتحدث والحرس الثوري يقتل السوريين والطائرات الإيرانية تنقل الإمدادات لنظام بشار. قاطع النظام العلماني الليبرالي الذي قاده حسني مبارك إيران منذ السبعينيات، ولم يسمح لها بأن تفتح سفارة في مصر. وقف الرئيس حسني مبارك مع المملكة في كل معاناتها مع النظام الإيراني. وقفنا معاً سداً منيعاً ضد المد الصفوي الذي يبدو أنه يحاول أن يوجد موطئ قدم في مصر من جديد، بعد أن خسر رهانه على النظام في سورية. لم نسمع أي شيء يدين أو يستنكر وجود خلية تجسس تمولها إيران في المملكة، ولو كان نظام حسني مبارك في الحكم لما سكت على أمر مثل هذا، بل إن الأسبوع الماضي كان أكثر الأسابيع نشاطاً في التطبيع الإيراني - المصري. إذ اجتمع مساعد وزير الخارجية الإيراني مع وزير الخارجية المصري ومع الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووصلت أول طائرة إيرانية تحمل رؤساء شركات سياحية إلى الأراضي المصرية. بل في نهايته ظهرت أزمة التشكيك في الأزهر وموقعه الديني، وحقه في المتفق عليه بين جميع المسلمين في الإفتاء، ما أقول إلا "رزق الله على أيامك يا حسني".
إنشرها