FINANCIAL TIMES

حمدي .. جاء إلى أمريكا ليدرس فأصبح مليارديراً بسبب «الزبادي»

حمدي .. جاء إلى أمريكا ليدرس فأصبح مليارديراً بسبب «الزبادي»

قبل عقدين من الزمن، كان حمدي أولوكايا لا يستطيع أن ينطق حتى كلمة واحدة من اللغة الإنجليزية، ولم يكن قد خرج قط من بلده تركيا، لكنه اليوم من أصحاب المليارات ويتحدث الإنجليزية، بعد أن عمل على تحويل مسار اقتصاديات شمال ولاية نيويورك وأيداهو، ناهيك عن الطريقة التي يفكر بها الأمريكيون حول اللبن الزبادي. كان جالساً في مكتبه الجيد التهوية الموجود في منطقة سوهو في نيويورك، الذي كان أبيض اللون وأثاثه من الخشب والحديد، وبه مجموعة من الأرائك وكرات مطاطية كبيرة الحجم للتمارين الرياضية. إنه منظر لن يكون غريباً في وادي السليكون. ويقول: "أشعر وكأني انتهيت من دراستي في أربع جامعات". أولوكايا هو مؤسس شركة تشوباني ورئيسها التنفيدي، وهي تسيطر على نحو 20 في المائة من سوق اللبن الزبادي في الولايات المتحدة، السوق التي بلغت قيمتها 6.5 مليار دولار، بعد أقل من ست سنوات منذ انطلاقها. إنها أفضل العلامات التجارية مبيعاً في الولايات المتحدة، إذ باعت في السنة الماضية ما قيمته أكثر من مليار دولار من اللبن الزبادي المُعدّ على الطريقة اليونانية، أي المنزوع منه مصل اللبن. يعمل لدى الشركة أكثر من ألفي موظف، وهي تشغل أكبر مصنعين للبن في العالم – الأول هو معمل قديم كانت تملكه شركة كرافت في شمال ولاية نيويورك، والثاني عبارة عن مجَمَّع مصصم خصيصاً للإنتاج بتكلفة 450 مليون دولار في ولاية إيداهو، وقد أعطى كل واحد منهما دَفعة كان الاقتصاد المحلي بأمسّ الحاجة إليها، وتبلغ كمية الإنتاج اليومي ستة ملايين رطلاً من الحليب. اشترت الشركة معملاً في أستراليا في عام 2011، وهي تحتل الآن المرتبة الثالثة في السوق. كذلك تعتزم الشركة التوسع بصورة كبيرة في بريطانيا خلال العام الجاري. في أثناء ذلك حقق هذا الشخص البالغ من العمر 40 عاماً، ثروة تقدر قيمتها بحدود 1.1 مليار دولار، وفقاً لقائمة الأثرياء في مجلة فوربس. كذلك فإن حمدي يعتبر تجسيداً للحلم الأمريكي لدى كل مهاجر، وكون أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يضع قانون الإصلاح الشامل للهجرة على رأس أجندته التشريعية، فإن دعاة التغيير، بمن فيهم ستيف كيس المؤسس المشارك لشركة الإنترنت أمريكا أونلاين، يستشهدون بحمدي على أنه مثال على صاحب المشاريع المهاجر. يقول حمدي، إن نجاحه في عالم الأعمال قوامه العودة إلى الأساسيات والثقة بحسه الغريزي (الذي تحركه البكتيريا المفيدة للجسم). في عام 2005، حين شعر بالاستياء من "الأكواب الملونة التي تحتوي على مزيج السكر" (وهو التعبير الذي يستخدمه لوصف علب اللبن بنكهات الفاكهة الموجودة في السوق)، وهو ما يعتبر الأمريكيون أنه اللبن الزبادي، خطرت على بال حمدي، وهو كردي الأصل، فكرة تصنيع وبيع اللبن الزبادي العادي الذي اعتاد عليه حين كان يعيش في شرق تركيا. لم يكن ذلك أول مشروع له في الأعمال. في أعقاب وصوله إلى مدينة نيويورك في عام 1994 لدراسة اللغة الإنجليزية، تاقت نفسه إلى حياة الريف، وبالتالي حصل على وظيفة في مزرعة في شمال ولاية نيويورك. وجاء والده لزيارته، وبعد أن ذاق طعم الجبن ضمن وجبة الإفطار، حث ابنه على استيراد الجبن الذي تصنعه الشركة المملوكة للعائلة في تركيا. كان النجاح نصيب المشروع، ولذلك افتتح معملاً صغيراً للأجبان في شمال نيويورك في 2002، حيث كان هو نفسه يُعِد الجبن الأبيض الطري ويتمتع بنجاح متواضع. وفي أثناء ترتيب مكتبه والتخلص مما هو غير ضروري، عثر على رسالة من البريد الدعائي حول معمل كامل التجهيز لإنتاج اللبن الزبادي للبيع في شمال نيويورك، وكذلك آخر، في مدينة ساوث إدمِستون. وفي اليوم التالي قام بجولة في المصنع الذي مضى على إنشائه 90 عاماً، الذي أغلقته شركة كرافت العالمية للأغذية. يقول حمدي، الذي يشتعل نشاطاً ويجد صعوبة في البقاء جالساً، أثناء حديثه: "في طريق عودتي اتصلت بالمحامي الذي أتعامل معه، وقال لي: هل أنت مجنون؟ لن أدعك تشتري أية معامل". لكن حمدي تشبث برأيه، وبعد أن حصل على منحة بمليون دولار من إدارة الشركات الصغيرة، وهي وكالة فيدرالية، اشترى المعمل، وأحضر مصطفى دوغان، وهو متخصص في اللبن الزبادي من تركيا، وأمضى الاثنان 18 شهراً في تجارب على أنواع أمريكية ومستوردة، والتجريب في تصنيع وصفات خاصة بهما. يقول في معرض حديثه عن منهج الصناعة في تلك الفترة: "كان من المعروف’ أن الأمريكيين لن يأكلوا اللبن إلا إذا كان حلواً تماماً وملوناً". لكنه استمع إلى الناس وهم يقولون إنهم أحبوا طعم اللبن كثيراً إلى درجة أنهم كانوا يأكلون منه حين كانوا يسافرون إلى أوروبا أو الشرق الأوسط، ولاحظ الاتجاه العام نحو تناول طعام أفضل. دخل اللبن الزبادي الخالي من مصل اللبن للمرة الأولى إلى الولايات المتحدة في 1998 عن طريق شركة يونانية اسمها فيج Fage، التي تشغل الآن معملاً ليس بعيداً عن شركة شوباني في شمال نيويورك. لكن شركة شوباني تفوقت عليها بقوة في الحصة السوقية. ويقول حمدي، إن السبب في ذلك ليس فقط بفضل المنتَج، وإنما بسبب "شخصيته". وهو يصف شوباني بأنها شركة تتخذ المخاطر وتريد الخروج إلى العالم وتعمل بمنتهى النشاط وتنجز جميع أنواع الأعمال. في بداية عملهما، كانا يُحَضران اللبن دون مواد حافظة أو نكهات صناعية، وأصرا على أن يكون مصدر الحليب أبقاراً لم تعالَج بهرمونات النمو الصناعية، كما أصبح شائعاً في الولايات المتحدة. كذلك أنفق كلاهما الكثير من الجهد والمال على التعليب، وتغيير العلبة التقليدية، التي هي على شكل كأس، إلى وعاء ذي فتحة علوية أوسع على شكل "سلطانية"، من النوع المنتشر في أوروبا، رغبة منهما في تمييز المنتَج. لكن العامل الأساس كان المستهلك. أصر حمدي على أن يباع اللبن في قسم الألبان ومنتجات الحليب في محلات السوبر ماركت العادية وليس في محلات الأطعمة الخاصة، على اعتبار أن ذلك أسهل عليهما وأقل تكلفة. ويقول: "لِمَن نصنع هذا المنتَج؟ إننا لا نصنعه ليباع في المحلات المتخصصة لأصحاب الدخل المرتفع. كنا نرى أن هذا منتجاً صافياً بسيطاً وينبغي أن يكون متاحاً للجميع". وبعد أشهر من ليالي النوم في المعمل والتقوت بالبيتزا واللبن، أطلق حمدي في 2007 شركة شوباني – المشتقة من كلمة تعني "الراعي" باللغة التركية – بإنتاج 300 صندوق من اللبن. وتم عرض الكمية في أحد محال السوبر ماركت في لونج آيلاند، وبدأت الطلبات بالتدفق. وحين سارت الأمور على ما يرام بمعدل 100 ألف صندوق في الأسبوع، لم يطلب حمدي زيادة حجم الإنتاج مرتين، وإنما أربع مرات. وقال: "هذه قرارات مبكرة، وهذه قرارات جريئة. لو كنتَ على خطأ فإن ذلك سيؤدي إلى الدمار والاستنزاف. لكن حيث إننا شركة مستقلة وعلى علاقة قوية مع المستهلكين، كان بإمكاننا اتخاذ هذه القرارات المبكرة". لقد اتبع حمدي حدسه طيلة الوقت. وكانت الشركة ترسل المنتج المتنقل إلى المناسبات، وتوزع العينات. ولم تبدأ بالإعلانات إلا في عام 2011، لكن الشركة اضطرت إلى سحب الإعلانات من التلفزيون لأنه لم يكن بمقدورها متابعة الاندفاع في الطلب. ويقول: "كنا دائما نثق في غريزتنا وفي الرسائل التي كانت تأتي مباشرة من المستهلكين. لم نقدم قط على أية دراسة، ولم نقدم قط على أية أبحاث في السوق". "وهذا هو ما أؤمن به باعتباري من أصحاب المشاريع. أنتَ بحاجة إلى أن ترى، ليس الشجرة الصغيرة فوق الأرض، وإنما عليك أن ترى البذرة تحت الأرض. يجب علينا أن نرى الأشياء قبل أن يراها أي شخص آخر". تفَرَّع إنتاج الشركة إلى خطوط جديدة، مثل الأوعية ذات الأغطية القابلة للانثناء، التي تحتوي مادة مقرمشة تضاف إلى اللبن في نكهات مختلفة، مثل نكهة اللومي، والعلب الصغيرة التي تحتوي على التين أو قشرة البرتقال أو القهوة والشيكولاتة السوداء. وهناك أيضاً خط للأطفال، بما في ذلك اللبن الموضوع في أنابيب. وحتى مع توسع أعمال الشركة، فإن حمدي ملتزم باستراتيجيته الأساسية ويقول، أنا لا أفكر أبداً في الدولارات، وإنما أفكر دائماً حول تحقيق النجاح وصناعة منتجات رائعة وتحقيق أثر قوي رائع، وأستطيع أن أذهب إلى السرير وأنام ملء جفوني وأنا أعلم أني فعلت شيئاً رائعاً في ذلك اليوم. وحين سئل إن كان كونه من أصحاب المشاريع الأجانب قد سبَّب له أية مشكلات، فإن حمدي، الحاصل على البطاقة الخضراء، لكنه لم يجد الوقت الكافي للحصول على جواز سفر أمريكي، يقفز من على كرسيه بمستوى من الحماس الوطني الذي يجعل بعض الأمريكيين يشعرون بالخجل من أنفسهم. "حين ينظر أحد الأطفال إلى نجم في السماء في إحدى قرى شمال نيويورك ويقول لأمه إنه يريد الذهاب إلى ذلك النجم، فإن أمه تقول له، إنك ستفعل ذلك بالتأكيد. وهي لا تقول ذلك لمجرد الكلام، وإنما لإيمانها بذلك. هذه هي بالضبط طريقة الحياة هنا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES