Author

مجموعة المعجل .. بين مطرقة الإدارة وسندان الرقابة !!

|
ما لبث المختصون من الباحثين والمهتمين في شأن الاقتصاد السعودي يقرؤون ويحللون واقع كثير من الشركات التي أصبحت محل إثارة وجدل , نظراً لما تتسم به بعض الشركات من ضعف في المركز المالي وفي قدراتها الإدارية التي يمكن وصفها بالهزيلة والعاجزة عن مواجهة المخاطر فضلاً عن قدراتها في إدارات المخاطر و الأزمات , حيث أن واقع بعض هذه الشركات يحاكي قصص الخيال العلمي وأفلام الرعب وخاصة حينما تتأمل سلوك وتوجه مجلس الإدارة من جانب وقدرات الإدارة التنفيذية في التعامل مع هذه التحديات من جانب آخر. شركة مجموعة محمد المعجل شركة مساهمة عامة تعمل في أبرز القطاعات الحيوية وهو قطاع الخدمات النفطية برأسمال معلن 1,250 ألف مليون , وتعتبر من الشركات الرائدة في هذا المجال لأكثر من ربع قرن من الزمان , حيث استطاعت الشركة أن تستحوذ على فجوة تسويقية من خلال قدراتها التنافسية في هذا القطاع , وفجأة! تتحول الصورة الوردية السابقة إلى فاجعة يشيب من هولها المتابعون فضلا عن المساهمون وتتحول الأرباح إلى خسائر بلغت 178% من رأس المال , ويتسرب العاملون منها كجزرٍ من بعد , وما أعظم المصيبة حينما تقف تتأمل الحالة التي وصلت إليها مجلس الإدارة حينما فتحت أبواب الترشيح لعضوية مجلس الإدارة ثم لا تجد من يجيب لهذه الصرخة المكلومة! ليست شركة المعجل وحدها من واجهت أو تواجه هذا المصير الصعب , بل هناك شركات محلية وإقليمية وعالمية تتعثر وتواجه نفس المصير , وهنا يتسائل الكثير لماذا؟ بالرجوع إلى عام 2001 والتأمل في كارثة انهيار شركة "انرون" وهي من كبرى الشركات الأمريكية في مجال الطاقة والتي كانت تقدر أصولها بـ 63,4 مليار دولار وبلغ حينها سعر السهم 90 دولار في منتصف عام 2000 لتصل بعد ذلك إلى 60 سنتاً نهاية عام , وما لحق المستثمرون من خسائر فادحة بلغت عشرات المليارات من الدولارات ,وتسريح معظم العاملين في الشركة والبالغ عددهم 20 ألف موظف , وما تبعها من سلسلة انهيارات في قطاع الأعمال والخدمات والتي استمرت حتى عام 2005 , ليعود مشهد النزيف مره أخرى إلى الساحة الاقتصادية ؛ وتنتقل عدوى الانهيارات إلى القطاع الأهم والأصعب في المعادلة الاقتصادية وهو القطاع المالي , حيث ابتدأ أول فصولها بإشهار بنك "ليمان براذر" إفلاسها وذلك في صيف عام 2008 حيث بدأت رحلة التقلبات من خلال سلسلة من عمليات شطب الديون التي رافقتها عروض جديدة لزيادة رأس المال بهدف تعزيز موارده المالية , بالرغم أنها كانت تتمتع بمركز مالي جيد حيث كانت تقدر أصولها بـ 639 مليار دولار , بينما وصل إجمالي ديون البنك 613 مليار دولار بحسب الأوراق التي تقدم بها بنك للمحكمة لطلب حمايته من الدائنين , كما أن هناك الكثير من الأمثلة والتي تعكس الحقيقة المأساوية لتلك الشركات وليس هذا المقال لسردها. في الحقيقة، إن المتأمل في أحداث الانهيارات السالف ذكرها أو غيرها من الحالات المشابه يدرك مما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك "خلل" إن صح التعبير يتمثل في سلوك وقدرات الإدارات التي كانت تقود تلك الإمبراطوريات الاقتصادية , ومن خلال الدراسات التي أُجريت على الحالتين السابقتين تبين بأن المتسبب الرئيس في هذه الانهيارات هي "الإدارات العليا" وعلاقاتها المشبوهة بالجهات الخارجية والتي تقدم لها خدمات تأكيدية أو استشارية وهو ماحدث بالضبط مع شركة "انرون" , لذا نشأ ما يعرف بقانون ساربانس – أوكسلي "سوكس"، ذلك القانون الذي تبناه الكونجرس بحماس كبير عام 2002، فكل الانحرافات التي وقعت في "انرون" وأمثالها، اعتبرت أصلاً ممارسات غير قانونية بموجب القوانين , وهي ناتجة عن استغلال الصلاحيات المطلقة التي تتمتع بها مجالس الإدارات , كما تولد من ذلك القانون نظام ما يعرف بـ "حوكمة الشركاتCorporate Governance" والذي يهدف إلى الفصل بين الملكية والإدارة وتحديد الصلاحيات وتفعيل دور الرقابة الداخلية للشركات من خلال تحقيق مفهوم "استقلالية" التبعية المهنية للجهاز الرقابي الداخلي. وبالرغم من أن نظام "حوكمة الشركات" قادر على تفعيل الدور الرقابي الداخلي للشركات ويساعد على ضبط سلوك الإدارات و يعزز من حماية أصول وأموال الشركات ويزيد من ثقة المستثمرين , إلا أن هناك في الجانب الآخر ما أعتبره أهم؛ وهو قدرة الإدارة على إدارة المخاطر والأزمات حين وقوعها , حيث لازالت المفاهيم الرقابية بأدواتها الحديثة تعتبر غير فاعله في بعض قطاعات الأعمال بالرغم من نتائجها الإيجابية والملموسة , وهو في الحقيقة ما أراه "من وجهة نظري الشخصية" إحدى أهم الأسباب والعوامل في تعثر شركة المعجل وغيرها من الشركات المحلية في السوق السعودي , لذا تكمن مسؤولية تفعيل هذه الأنظمة والأدوات الرقابي على عاتق هيئة سوق المال و وزارة التجارة والصناعة واللذان لا يزال دورهم في هذا الجانب قاصر لا يعدو عن كونه تشريع للأنظمة الرقابية دون التحقق من فاعليتها ومعاقبة المتنصلين من تطبيقها.
إنشرها