Author

سيدة الأحساء الأولى

|
العام 2007، دوري الدرجة الأولى، سدوس القادم من القرية الصغيرة شمال غربي الرياض، يدك شباك الفريق الأحسائي الغض الفتح بخماسية مؤلمة، مع الهدف الرابع، الشاب حار الأعصاب أحمد الراشد مدير الكرة في الفريق الخاسر لا يحتمل البقاء، يغادر الملعب حزنا منهار المعنويات. بسرعة جنونية يتجاوز زحام السيارات في العاصمة منطلقا من ستاد الملز، يعبر طريق المطار باتجاه الشمال، وينحني يمينا حتى يعتدل الطريق نحو الشرق قاصدا أرض الأجداد والآباء، ذات الجبال الأربعة والعيون الساخنة، لا يلوي على شيء، يرافقه حزنه الذي يسيطر على كل شيء، مسلسل الأهداف التي دكت شباك فريقه طعنات مؤلمة لا تفارقه. الهاتف لا يكف عن النداء، مكالمة واحدة فقط لا يستطيع أن يمتنع عنها، شاشة الهاتف المختبئ بين مقعدي السيارة تضيء باسم الوالدة، فتح الخط وجاء صوتها منسابا كالحرير: يا بني هذه كرة القدم، رياضة وأنت مَن يعلمنا أخلاق الرياضة، يا بني خسرت اليوم وستفوز عليهم كلهم يوما. الابن منصت والأم الحزينة لما أصاب ولدها تواصل: بُني أحمد، عزيمة الرجال لا يكسرها إلا اليأس، ربيت رجلا أعتمد عليه وفخورة به، صدقني ستنتصر عليهم كلهم.. كلهم وسأحتفل بك في ليلة أسطورية، كلنا إلى جانبك لا تيأس. طوال الطريق، بين الرياض والمبرز، انشغل أحمد الراشد سليل العائلة التجارية العريقة، في التفكير: هل تصدق تنبؤات أمي؟ وكيف السبيل إلى ذلك، ابتسامة أمل ترتسم، وعبارة واحدة لم تفارق مخيلته"عزيمة الرجال لا يكسرها إلا اليأس"، كانت لاحقا عنوان العمل وبوصلة الطريق. فوزية راشد الراشد، الناشطة في العمل التطوعي في المجتمع السعودي، والمرأة الثانية في جمعية النهضة الخيرية في الرياض التي أسستها وترأسها الأميرتان سارة وموضي بنتا الملك خالد ـــ رحمه الله ـــ كانت هي المرأة التي صاغت خريطة الطريق لفتح المبرز. ولدت فوزية سيدة الأعمال الحالية، زوجة رجل الأعمال راشد سعد الراشد، وابنة رجل الأعمال راشد عبد الرحمن الراشد قبل 50 عاما في المبرز، فاكتسبت من نخيلها العطاء، ومن عيون مائها الساخنة الحنان والدفء، درست وتعلمت في مدارس الأحساء، أكملت الثانوية العامة والتحقت بدورات في اللغة مكنتها من التحدث بالإنجليزية والفرنسية بطلاقة، ووظفت أموالها في العمل التطوعي واستهدفت بالدرجة الأولى أبناء منطقتها، قالت لابنها أحمد يوما: لماذا تحب الفتح؟ أجاب العاشق المفتون بالأزرق: فريق مدينتي ومدينتك، عندما أخدمه فأنا أخدم أبناء وشباب المبرز. ردت: هذا عمل اجتماعي إذاً، وتابعت: أنا معك سأدعم الفتح من أجل شباب وأُسر المبرز. في الأيام التي فاوض الأزرق الصغير الحارس شريفي، تكفلت فوزية بكامل العقد، وكانت أولى الصفقات، عندما همّ الفتحاويون بالتعاقد مع الفلتة إلتون جوزيه نقص المال، في الاجتماع الذي ضم رئيس النادي وبعض وجوهه وأحمد الراشد، قال الأخير: وقعوا مع إلتون لدينا عضو شرف وعد بالدعم وسآتيكم بالمال منه، كانت فوزية الراشد هي عضو الشرف الذي أكمل مبلغ الصفقة، حين تعثر النادي في إتمام العقد الأول لربيع سفياني كانت ابنة المبرز هي المنقذ، وهي تقلب أوراقا في صالة منزل العائلة وجدت دعوة زواج موقعة باسم أحمد بو عبيد، قالت لابنها: هذا لاعبنا، قال: نعم. وقعت شيكا بهدية مالية دعما لمشروعه الأسري. بعد سنوات من خسارة الفتح الخماسية أمام سدوس، ظفر الفريق الطموح بالمرتبة الثالثة في كأس الملك بثلاثية لا تنسى في مرمى أزرق الرياض المهاب، أول رسالة وصلت لهاتف أحمد موقعة من والدته: هذا العام انتصرنا على كبيرهم وفي العام المقبل سنغلبهم كلهم. بعدها بثوان رسالة أخرى من نفس الرقم تترجم الفرحة التي سكنت بيت المبرز الكبير كتب فيها: خمسة آلاف ريال لكل لاعب.. يستاهلون عيالنا. مع نهاية الأخيرة للفتح أمام هجر، جاءت الرسالة في خط عكسي هذه المرة: سيدتي ووالدتي عضو الشرف الكبير، فزنا عليهم كلهم، لن أتنازل عن الليلة الأسطورية الموعودة. .. ويعلم أحمد الراشد جيداً وهو يبعث برسالته لوالدته، أن الأحساء كلها تنتظر الليلة الأسطورية التي سيخلع فيها الأزرق عباءة الأزرق الصغير ويلبس تاج الذهب الكبير.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها