Author

عدم تجاوب سوق الأسهم مع طباعة الدولار

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
لا تزال الأسهم السعودية تتداول عند مستويات متدنية على الرغم من ارتفاع مستوى السيولة في المملكة وقوة الاقتصاد السعودي، واستمرار الولايات المتحدة في تنفيذ برنامج التيسير الكمي، الذي يعبر عنه اصطلاحاً بطباعة الدولار، المتمثل في طباعة 85 مليار دولار شهرياً، عبارة عن 40 مليار دولار لسداد مديونيات مؤسسات الرهن العقاري و45 مليار دولار شهرياً لشراء السندات الحكومية. هذه السيولة المهولة تتشكل عندما يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) بشراء شتى أنواع الأصول المعدومة وسداد مديونيات الرهن العقاري، فيرتفع المعروض النقدي بشكل كبير يهدد الاقتصادين الأمريكي والعالمي معاً. فهل هناك علاقة بين طباعة الدولار وسوق الأسهم السعودية؟ وهل من المفترض ارتفاع الأسهم أم انخفاضها من جراء ذلك؟ بحكم أن السياسة النقدية السعودية مرتبطة بنظيرتها الأمريكية، كنتيجة حتمية لربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، فيمكننا القول إن طباعة مزيد من الدولارات تعني طباعة مزيد من الريالات! وهذا صحيح إذا فرضنا أن هناك اندماجا ماليا بين البلدين مع عدم وجود قيود على تحركات رؤوس الأموال من المملكة وإليها، وهو الحاصل فعلياً إلى حد كبير، وإن لم يكن بشكل مباشر في بعض الحالات. فنجد أن الدولارات الأمريكية المتدفقة من الخارج تجد طريقها إلى الاقتصاد السعودي من خلال الفرص الاستثمارية المتاحة، حيث قدر حجم الاستثمارات الأمريكية المباشرة في المملكة بنحو 40 مليار ريال في عام 2012، اتجه جزء قليل منها نحو سوق الأسهم السعودية من خلال اتفاقيات المبادلة التي تتيح للمستثمر الأجنبي غير المقيم الدخول في سوق الأسهم، أو الشراء المباشر في الصناديق الاستثمارية وصناديق المؤشرات، أو الصكوك المالية وغيرها. ومن المتوقع أن يتضاعف حجم الاستثمار في الأسهم السعودية عندما يسمح للأجانب غير المقيمين بالاستثمار المباشر بتملك قانوني للأسهم السعودية. إلا أن هذه فقط الاستثمارات الأمريكية، لكن هناك استثمارات أجنبية أخرى مدعومة بالدولار الأمريكي بشكل أو بآخر تتجه كذلك نحو الاقتصاد السعودي، وهنا تبرز مشكلة ثبات سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الريال السعودي، حيث إن هذه الدولارات "الرخيصة" تستبدل بريالات سعودية بسعر 3.75 ريال مقابل الدولار الواحد! وربما لو كان الريال السعودي معوما لما استطاع حامل الدولار استبداله بأكثر من ريالين للدولار الواحد. هل يعني ذلك أنه حالما يتم فتح سوق الأسهم السعودية للأجانب غير المقيمين ستكون هناك فرصة لاستبدال الدولارات الرخيصة بأصول سعودية قوية، مثل أسهم بعض الشركات البتروكيماوية والأسمنتية وبعض شركات التجزئة والصناعة والاتصالات؟ نظرياً نعم، يجب أن يتم ذلك وهو الأمر الذي من شأنه أن يرفع من أسعار الأسهم إلى مستويات عالية، وهو ما نراه اليوم في الأسهم الأمريكية التي تحقق مستويات تاريخية هذه الأيام نتيجة استبدال دولارات "رخيصة" بأسهم شركات قوية، وهي النتيجة الحتمية لطباعة الدولار بسبب فقدانه قوته الشرائية، ما يجعل المستثمرين يتجهون نحو الأصول القوية، كالذهب والعقار والأسهم القوية لتعويض فقدان القوة الشرائية. من الواضح تماماً عند استعراض حركة الأسهم الأمريكية أن هناك ارتفاعات متتالية عقب كل عملية تيسير كمي يقوم بها البنك المركزي، ما جعل الأسهم الأمريكية تتداول عند مكررات ربحية لم نرها منذ مدة طويلة، تتجاوز 24 ضعف الأرباح السنوية، لا لسبب مالي جوهري، بل بسبب طباعة الدولار. حتى العقار الأمريكي بدأ يتعافى في الفترة الأخيرة، على الرغم من هول ما ألم به في السنوات الماضية، فنجد أن أسعار المنازل ارتفعت عام 2012 بنسبة 9 في المائة وهو أعلى ارتفاع منذ خمس سنوات، وانخفض عدد المنازل المعروضة للبيع إلى أدنى مستوى منذ خمس سنوات كذلك. هذا يعني أن السيولة المودعة لدى البنك المركزي لمصلحة المصارف الأمريكية، التي يفوق حجمها 1.50 تريليون دولار، بدأت بالفعل تنساب في شتى أنواع الأصول، فما الذي يمنع وصولها للسوق السعودية؟ قد يقول قائل إنها بالفعل وصلت للسوق السعودية، والدليل ارتفاع أسعار العقار في المملكة بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية، إما نتيجة استثمارات أجنبية في القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر، وإما نتيجة اقتناص المستثمرين السعوديين الأصول القوية قبل أن تغرق في بحر الدولارات الرخيصة. هذا في الواقع ما تعانيه هونج كونج التي تربط عملتها بالدولار الأمريكي وتخضع للسياسات المالية الأمريكية، على الرغم من اختلاف الاقتصاد في هذه الدولة عن الولايات المتحدة، حيث يوجد حالياً تضخم في السوق العقارية في هونج كونج لم يشاهد هناك من قبل، ويشير إلى فقاعة عقارية مؤلمة يعتقد أنها قريبة، وتدور نقاشات شعبية حادة هناك عن جدوى الارتباط بالدولار في مثل هذه الظروف. هنا تجدر الإشارة إلى أن السيولة المهولة التي تغص بها المصارف الأمريكية اليوم تتجه نحو قنوات معينة بسبب سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، الذي يفضل قذف الدولارات الرخيصة بعيداً عن الأسواق الأمريكية الاستهلاكية خوفاً من ارتفاع مستوى التضخم، وبالتالي رفع أسعار الفائدة التي يحاول البنك المركزي المحافظة على مستوياتها المتدنية لمدة عامين أو أكثر من الآن. لذا فمن الطبيعي أن تمارس المصارف الأمريكية سياسة تحفظية نحو إقراض الأفراد والمؤسسات الصغيرة وتفضيل شحن الدولارات خارج الحدود الأمريكية، للحفاظ على مستوى التضخم في حدود 2 في المائة. هناك مشكلة أخرى جديدة قادمة من الشرق هذه المرة، وهي قيام البنك الياباني بطباعة كميات كبيرة من الين لم تحدث من قبل، حيث تقرر طباعة ما يقارب 1.50 تريليون دولار خلال العامين المقبلين، ما سيرفع من القاعدة النقدية بمقدار الضعف لتصل إلى قرب ثلاثة تريليونات دولار. هذه المخاطرة هدفها إضعاف الين الياباني لدعم الصادرات اليابانية، لكن أين ستتجه سيولة الين؟ ربما تصل إلى المملكة كذلك. ختاماً، الأسهم السعودية تتصرف بطريقة غريبة معاكسة للأوضاع الاقتصادية داخلياً وخارجياً، حيث من المتوقع أن تكون الشركات السعودية - القوية منها فقط – ملاذاً آمناً لتعويض فقدان القوة الشرائية للدولار والين، كما يجب أن يتم في مثل هذه الظروف، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن، وربما يكون أحد الأسباب اعتقاد البعض أن الاحتفاظ بدولار رخيص خير من الدخول في سوق أسهم عالية المخاطر، لا لأسباب اقتصادية، بل بسبب البيئة التشريعية وسلوكيات السوق التي تشكل مخاطرة كبيرة لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة.
إنشرها