Author

القروض الشخصية بين الافتراض والواقع

|
تعالت أصوات الكُتاب والمحللين الاقتصاديين المحليين أخيراً في وسائل الإعلام المحلي المختلفة، مطالبة بضرورة تدخل المصرف المركزي "مؤسسة النقد العربي السعودي"، بوضع ضوابط صارمة وحازمة، تحد من قدرة المصارف التجارية العاملة في السعودية من التوسع في منح القروض الاستهلاكية للمواطنين. من بين الأسباب التي حدت بالاقتصاديين بالمطالبة بوضع ضوابط صارمة للحد من توسع المصارف في منح القروض الاستهلاكية، التخوف من تمادى المصارف في منحها لهذا النوع من التمويل، الذي سيتسبب آجلاً أم عاجلاً في إرهاق كاهل المواطنين وتحميلهم بأعباء والتزامات مالية غير مبررة، ولا سيما أن النسبة العظمى من تلك القروض تمثل قروضا استهلاكية غير منتجة، لا تعود بأي فائدة أو قيمة مضافة للمقترض أو للاقتصاد الوطني على حد سواء. وجهة نظر المصارف في المقابل أنها تتعامل مع القروض الاستهلاكية الممنوحة للأفراد على أساس أنها من بين أحد المنتجات المصرفية، التي تقدمها للعملاء كخيارات وبدائل للتمويل، لكن لا تفرضها عليهم، وللعميل كامل الحق والاختيار للحصول على قرض استهلاكي من عدمه. وتبرر المصارف أيضاً أن توسعها في منح القروض الاستهلاكية، يحكمه الطلب المتنامي على هذا النوع من القروض من قبل العملاء؛ ما شجعها في التوسع في منح القروض، إضافة إلى أن النظام السعودي للتحويلات المالية، والذي يرمز إليه بنظام (سريع)، قد شجعها على التوسع في منح القروض الاستهلاكية للأفراد، بتسهيله عملية تحويل رواتب المقترضين إلى حساباتهم المصرفية لدى المصارف المقرضة، وتمكينها من استقطاع قيمة القسط الشهري المستحق على القرض وسداده من الحساب. نتيجة لهذه العوامل وغيرها، فقد قفزت القروض الشخصية الممنوحة للأفراد من قبل من المصارف التجارية العاملة في السعودية من نحو 38.4 مليار ريال في عام 2001 إلى نحو 300 مليار بنهاية الربع الرابع من العام الماضي، محتلة بذلك السعودية، وفقاَ لإحدى الدراسات، المرتبة الأولى خليجياً من حيث حجم القروض الشخصية في نهاية النصف الأول من عام 2012، من إجمالي القروض الشخصية الممنوحة للخليجيين من مصارفهم. ما شجع المصارف التجارية العاملة في المملكة كذلك، على التوسع في منح القروض الشخصية، وجود ضوابط صارمة من مؤسسة النقد العربي السعودي صدرت في عام 2006، والتي حددت الحقوق والالتزامات بما في ذلك الواجبات المترتبة عن منح ذلك النوع من القروض للعملاء، حيث على سبيل المثال لا الحصر، حددت المادة الثانية عشر من تلك الضوابط الحد الأقصى المسموح به للتمويل، حيث لا تتجاوز قيمة المدفوعات الشهرية الإجمالية للمقترض الموظف على رأس العمل، مقابل إجمالي قيمة قروضه، بما في ذلك ديون بطاقات الائتمان ثـُلث صافي راتبه الشهري، وبالنسبة للأشخاص المتقاعدين في حدود نسبة 25 في المائة من الراتب التقاعدي، كما يجب ألا يتجاوز الحد الأقصى لمدة استحقاق أي تمويل استهلاكي خمس سنوات. هذا، ويحق لمؤسسة النقد العربي السعودي حسب تقديرها، فرض قيد على أي مصرف، حيث لا تتجاوز محفظته من التمويل الاستهلاكي نسبة محددة من إجمالي محفظة القروض والسلف. في ظل الضوابط الصارمة الموضوعة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي على منح القروض الاستهلاكية من المصارف للأفراد، يعتقد البعض أن حجم تلك القروض لا يزال في الحدود المعقولة والمقبولة اقتصادياً، ولا سيما حين ربط ذلك الحجم بحجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، حيث تقدر نسبة إجمالي القروض الشخصية الممنوحة للأفراد من قبل المصارف إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 11 في المائة، والتي تعد نسبة معقولة للغاية مقارنة، بما عليه واقع الحال في دول أخرى على مستوى العالم. كما يعتقد البعض أن منع المصارف من منح القروض الشخصية للعملاء والتقيد على الأفراد، قد يضطرهم إلى اللجوء إلى مصادر وقنوات تمويل غير نظامية أو مشبوهة، مثال القنوات التي نشاهد ملصقاتها وإعلاناتها بشكل لافت بأماكن متعددة في المدن السعودية. ويرى البعض أن توجه المصارف السعودية، نحو تنويع محفظة الإقراض الخاصة بالأفراد لديها، لتشتمل على أكثر من نوع من الإقراض مثل الإقراض الموجه للعقار والسلع المعمرة، يقلل بشكل كبير التخوف المرتبط بتوسعها في منح القروض الاستهلاكية للأفراد، ولا سيما في ظل وجود سجل ائتماني للعملاء المقترضين يصدر عن الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية «سمة» الذي قد ساعد المصارف إلى حد كبير على اتخاذ قرار التمويل الشخصي المناسب، الذي يستند إلى توافر معلومات ائتمانية دقيقة، توضح التاريخ الائتماني للعملاء المقترضين وقدرتهم على تحمل أعباء مالية إضافية دون الإضرار بمقدرتهم على السداد. خلاصة القول، أن بعضهم يعتقد أن المصارف التجارية العاملة في المملكة، قد توسعت بشكل كبير خلال العقد الماضي في منح القروض الاستهلاكية للأفراد؛ ما قد يتسبب في المستقبل في الإضرار بهم ويحد من قدرتهم على السداد والوفاء بالالتزامات، في حين أن بعضهم الآخر يعتقد أن توسع المصارف في منح القروض الشخصية، أمر مشروع ومحمود وله مبرراته، وبالذات في ظل الطلب المتنامي من قبل الأفراد على هذا النوع من القروض، طالما أن هذه القروض تمنح بطريقة نظامية وتخضع لضوابط ومراقبة صارمة من مؤسسة النقد، وأن حجمها لا يزال يشكل نسبة مقبولة اقتصادياً من حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، آخذين في الحسبان أن منع المصارف من منح القروض الشخصية للأفراد، قد يحدهم للجوء إلى مصادر غير نظامية وغير مشروعة، تفاقم من حجم المشكلة، وتُوقع بعملاء المصارف في مشاكل مالية ولربما أمنية واجتماعية لا حصر لها.
إنشرها