Author

ما الذي نقص بقمّة الدوحة وما الذي زاد؟

|
* أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 470 *** * حافز الجمعة: كل خلل في البيئة، وفي نفوسنا وطباعنا، وفي أنسقتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكل مرض تضطرب به صحتنا، إنما بفقدان التوازن. التوازن هو تساوي نهايتَيْ طرفين بالقوة والحجم وتبادل الحركة، ذا يخفض وذاك يرفع. إن قانون التوازن هو الذي يطيّر الطائر، ويتوازن به قاربٌ ضئيل بمجدافين، وتتوازن به حاملة طائراتٍ عابرة للمحيطات. التوازن يجعل سمك القرش حيا فأي لحظة توقف في أي من عضلاته التي تعمل لضبط الاتزان في حركة أبدية، تغرقه في الأعماق، وعصا التوازن منجاة بهلوان السيرك السائر على الحبال. *** * شخصية الجمعة: هذه السيدة دارت شهرتها ليس كموجةٍ هادرة، وإنما كسحابةٍ بيضاء في السماء بأديمها الأزرق الصافي، وبما أني لستُ صوفيّا فلن أصف فكرها بالنهج الإشراقي، وإنما أسلوب يخيل لك ليس فيه إلا نور. تكتب من عقود ويقبلها الجميع، لماذا؟ لأنها تقبل الجميع! الدكتورة ''ثريا إبراهيم العريّض''، إن أردتها مسباراً فريداً للعمق التأصيلي الخليجي، فلا بد أنك واجد فيها ضالتك، في عرقها تجري الدماءُ البحرينية، وفي قلبِها ينبض الانتماءُ السعودي .. هي ليست طفرة في مضخة الأدب والفكر، هي من سلسلة عائلة شهيرة مهمتها ضخ الأدب. وفي رأيي أن أباها الفخم ''إبراهيم العريض'' من أجمل العقول الأدبية بالعالم العربي، وقرأت ترجمة ''فيتزجرالد'' لرباعيات الخيام التي دوخت الغرب، وقرأت بالعربية ترجمة إبراهيم العريض وترجمة أحمد رامي .. كلها جميلة، إلا أن العريض كتبها وكأنه بضمير وفكر عمر الخيام. تكتب الدكتورة ثريا من عقود، ومن معرفتها المباشرة والفكرية، أجدها تنقل أفكارَها بدون أن تعلم أنك تتشربها، بهدوئها وقلبها المكشوف. لم تدخل صراعا قط طيلة السنوات، لا تجد أحدا ينتقد فكرها أو أسلوبها أو يغضب منه. إنها العقل المتوازن في أبهى صوره، وهذا مفتاحُ شخصيتها، وهيكل معارفها. كان يُقال عن ''خليل مطران'' إنه شاعر القطرين، أي لبنان ومصر.. وأقول: دكتورة ثريا العريض فخرُ السعودية والبحرين. *** * رأي الجمعة: التوازن لقيم محرك الأمم، يسيّر أمور حكم الشعب بطريق مزدهر للنهضة في كل مجال، يحقق وجودا عدْليا لكل فردٍ معيشيا وفكريا وحقوقيا وحرية. إنه نظامٌ إنسانيٌّ متى طُبق، سارت العربات على قضبانها، وسقطت المواد بأنواعها انتظاما بمكانها الصحيح. ويبدأ هذا النظام المتوازن من السلك التعليمي، وبتدريب الناس بعناية وفتح أفكارهم بالبناء المعرفي التحتي لأدمغتهم التي تشكل ثقافاتهم ومبادئهم، يتقدمها القانون التوازني: ''انفعني أنفعك، وإن أحببتني أحببتك، والعكس صحيح''. الإضرارُ بالناس أو كرههم قد ينعكس عليك أنت شخصيا في شخصك في بيتك أو عائلتك. وأن تعتنق أفكار الناس المعاني الدقيقة للمُثُل والفضائل والحق، وقول الحق، ويكون المقصد توليد أعداد من الأفراد المستيقظين عدليّاً بقلوبهم وعقولهم. عندها سنرى عملية تطهيرٍ قد بدأت، وستؤتي أكُلُها. سيتطهر واقعُنا السياسي، فما سبب كل حرب أو مأساة إلا ألاعيب السياسة والساسة، ومسألة فن الممكن، والمصالح الضيقة، وعدم الاكتراث بالناس، بحريتهم وبمقتضيات عيشهم. وسيتطهر المسؤولون والمصالح الكبرى من شبح الفساد ذي الوشاح الأسود الذي يتنقّل حاملا منجله ليقطع رزق ومستقبل الناس، جارّاً حياتهم للضّنك والسقوط. وسيتفعّل نظام المحاسبة بأقصاه على من اختاروا السلطة وقطاعات التحكم بمفاصل الأمة. متى وعينا بالفكر المتوازن معنى الفضائل والحق والعدل، فسيتحرر الجهاز القضائي من أي درنٍ تعلّق بوشاحه الأبيض، وسلطة تنفيذية مهمتها تطبيق عدل القضاء. وسيحدثُ شيءٌ آخر: أن الناس لن يعودوا يحتملون السلطة الواحدة والدكتاتورية والصوت الآمر، أو أن يوجههم آخرون فيما يجب أن يعملوه في حياتهم وفي شؤونهم الخاصة والعامة، وسينفرون من آليات المعاقبة التي تحمي المعاقبين ولا تحميهم. ليست هي مدينة فاضلة، ولكن مدينة متوازنة، وسيجد الجميع أن الحكمَ بالحب والعدل أجمل وأسهل.. وأبقى! *** * في أمور القضايا الكبرى هناك ما يسمى بالتوازن النسبي. يعني في قمة عادية دورية، لا بأس في الفخامة والحشود والمبالغة والبروتوكول بكل إجراءاته .. ولكن في قمة عاجلة وسريعة وحاسمة ومصيرية يتطلع لها مواطنو العالم العربي والإسلامي، كان بودنا توازنها مع إيقاع المأساة الدموية التي ينزف فيها السوريون وجودهم، بأن يكون اجتماعَ قمةٍ بتلقائية عفوية وسريعة وبسيطة التحضير، وبهمة إيجاد الحل السريع، بلا مبالغة حشود وتنظيم. إن أي قمةٍ حاشدة ستوحي للبسطاء أمثالي، بأنها تحمل مظهرا أثقل من حمل حل المشكلة التي اجتمعوا حولها. في أمان الله.
إنشرها