Author

«وقف البترول» .. مبادرة يجب أن تنطلق

|
يعتبر قرار المملكة وقف تصدير البترول للولايات المتحدة في غرة العشر الأواخر من رمضان من عام 1393هـ، أحد أهم القرارات في صناعة النفط العالمية خلال الألفية الماضية، عطفاً على إسهام القرار في إعادة رسم مواقع موازين القوى السياسية والاقتصادية بين الدول المصدرة للنفط والمستوردة له. فإضافة إلى الانعكاسات قريبة المدى للقرار على أسواق النفط العالمية من تضاعف أسعاره وتضاعف عائدات الدول المصدرة للنفط، فإن الانعكاسات بعيدة المدى ألقت بظلالها على تأميم القطاعات النفطية في الدول المصدرة، مانحة قوة صناعة قرار دولي للدول المصدرة، وفاتحة المجال لتوثيق التواصل مع دول الشرق الأدنى لوضع اللبنات الأولى لصناعات المعرفة المختلفة. وعلى الرغم من أهمية القرار وآثاره بعيدة المدى، إلا أن ما يقصد من عنوان المقال أمر بعيد عن قرار وقف تصدير البترول شكلاً وموضوعاً. فكلمة ''البترول'' الواردة في المقال هي كنية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن كما اعتاد خريجوها تكنيتها. وكلمة ''وقف'' هي اختصار اسم صندوق دعم البحوث والبرامج التعليمية ''وقف''، الذي أطلقته الجامعة أخيرا بهدف توفير قناة تمويل إضافية مستديمة لدعم عمليتها التعليمية ومسيرتها البحثية. والدافع خلف الحديث عن وقف الجامعة هنا هو حث زملائي خريجي الجامعة الذين تدفقوا منها على مدى الـ 50 عاماً الماضية على دعم وقف جامعتنا لتستديم في تحقيق إنجازاتها الوطنية، والمشاركة في التعريف بالوقف في المجتمع السعودي من خلال تبيان رؤيته، ورسالته، وأهدافه، وإدارته، ومجالات توظيف رأسماله، وكيفية إدارة استثماراته، ومجالات إنفاق عائداته. يأخذ وقف الجامعة في عين الاعتبار واقع الارتفاع المستمر في تكلفة الأعمال البحثية والتعليمية المتميزة على مستوى العالم، وما يشكله هذا الارتفاع من ضغوط مالية على الجامعات لتتمكن من الاستدامة في المحافظة على نجاحاتها وتميزها. وأتى من هذا المنطلق وقف الجامعة كصندوق استثماري أنشأته الجامعة في 2007 بهدف التمكين من تمويل 35 في المائة من ميزانيتها السنوية على المدى البعيد. حيث يستهدف الصندوق تكوين رأسمال يبلغ ثلاثة مليارات ريال سعودي نهاية العام المقبل من تبرعات وهبات المؤسسات الخاصة، ورجال الأعمال، وخريجي الجامعة واستثمارها والإنفاق من ريعها على أنشطة الجامعة التعليمية والبحثية. وعلى الرغم من تلقي الجامعة الدعم الحكومي بشكل كامل، إلا أن الحصول على التمويل الإضافي من خلال الصندوق الاستثماري، سيمكن الجامعة من مواجهة تحديات الارتفاع المستمر في تكلفة الأعمال البحثية والتعليمية المتميزة، وطبيعة الإنفاق المالي في ميزانيتها التشغيلية المعتمدة. ولقد وضع وقف الجامعة رؤية طموحة يسعى لبلوغها تنص على ''توفير مصدر مالي دائم يؤمن للجامعة قدرتها التنافسية ويحافظ على تميز برامجها التعليمية والبحثية من خلال إشراك المهتمين في دعم الجامعة من خلال الاستثمار المالي''. ويعمل الوقف لبلوغ هذه الرؤية الطموحة من خلال رسالة هادفة تنص على ''نحن ندعم رسالة الجامعة التعليمية والبحثية عن طريق جمع التبرعات، وإدارتها، واستثمارها بما يتفق مع قواعد الشريعة وبما يحقق طموحات المتبرعين''. ويسير الوقف لتحقيق مجموعة من الأهداف السامية، من أهمها دعم أساتذتها وباحثيها عن طريق تأسيس الكراسي العلمية، وتوفير التمويل الإضافي الذي لاستقطاب الأفضل من أعضاء هيئة التدريس، وتجهيز مراكزها البحثية باحتياجاتها من وسائل وأدوات البحث الحديثة، وتشجيع برامجها للتبادل الأكاديمي، وتمويل مبادراتها التطويرية الطلابية. ويتولى الإشراف على عمل وقف الجامعة مجلس إدارة مستقل عن إدارة الجامعة يتألف من نخبة من الشخصيات البارزة في القطاعين الحكومي والخاص وقطاع الأعمال والصناعة والإعلام. وانبثق من المجلس ثلاث لجان رئيسة هي لجنة الاستثمار، ولجنة تنمية الموارد، ولجنة تطوير أعمال مجلس الإدارة لمساعدة المجلس على تنفيذ أعماله. ويعمل المجلس ولجانه المنبثقة منه مع فريق من الإداريين التنفيذيين الذين يتولون إدارة استثمارات الوقف لتحقيق أهدافه وبلوغ رؤيته وفق الأحكام والضوابط الشرعية الخاصة بالاستثمار وتنمية الرساميل والأوقاف. وتنوعت استثمارات الصندوق بين عمليات مرابحة وصكوك في السوق المالية السعودية والأسواق الإقليمية والدولية والناشئة والاستثمارات البديلة كالعقارات وحقوق الملكية الخاصة والسلع وصناديق التحوط وغيرها. ومن الأمثلة على هذه الاستثمارات مركز الأعمال في الجامعة الذي أنشأ بالقرب من مدخل شركة أرامكو السعودية في الظهران على مساحة 800 ألف متر مربع ليحوي مجموعة من المكاتب التجارية، والوحدات السكنية، ومرافق مؤتمرات وتدريب ومراكز إيواء معدة للتأجير على الشركات الهندسة والتقنية والإنشائية العاملة في الظهران. وأسفرت جهود وقف الجامعة في تكوين رأسماله المستهدف عن جمع ما يقارب 2,225 مليون ريال سعودي قدمت من مجموعة من المؤسسات الخاصة، ورجال الأعمال، وخريجي الجامعة. وشهدت مسيرة بناء رأسماله تطوراً الخميس الماضي في ليلة من ليالي الوفاء للجامعة عندما حضر ما يقرب الألف خريج من خريجي الجامعة في لقاء ''تواصل 5'' الذي نظمته الجامعة في فندق الإنتركونتيننتال في الرياض ضمن سلسلة لقاءات مع خريجيها بهدف تعزيز العلاقة. وتقدم الحضور الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، ممثلاً لخريجي الجامعة الأوفياء عندما ارتجل كلمة نابعة من القلب أعاد فيها ذكريات قاعات الدراسة طالباً، ومعامل التجارب باحثاً، ووسائل التعليم محاضراً، وحاثاً فيها الخريجين على دعم دور الجامعة القيادي التعليمي بين مؤسسات المملكة والمنطقة، ومجسداً القدوة الحسنة لخريجي الجامعة بوفائه غير المستغرب بتطوعه للعمل في برنامج ''تواصل'' وبتبرعه بمبلغ مليوني ريال لوقف الجامعة، إضافة إلى تبرع سنوي بمبلغ مليون ريال. إن دعم وقف الجامعة من خريجيها، بشكل خاص، والمجتمع السعودي، بشكل عام، سيمكن الجامعة، بعون الله تعالى، من المحافظة على جودة مكانتها العلمية ودورها القيادي التعليمي بين مؤسسات التعليم العالي في المملكة وخارجها. فالجامعة دوماً وأبداً تعتبر خريجيها أفراداً من عائلتها الكبيرة تفخر بهم، وهي من خلال وقفها الخيري تفتح باباً جديداً للتواصل مع خريجيها وتنادي أصحاب الخير لينالوا شرف دعم مسيرة الجامعة العلمية والبحثية.
إنشرها