Author

طبيب المدرسة

|
ركضت مديرة المدرسة في الممرات وهي تلهث باحثة عن البوابة، تحمل بين يديها الطفلة ذات السنوات العشر، وضعتها بين يدي حارس المدرسة ليأخذها إلى أقرب مستشفى. لكن أجَلَ الصغيرة كان قد حل، ووافتها المنية في مكان ما بين الصف - حيث سقطت - والمستشفى. أصل الحكاية أن الطفلة شعرت بضيق تنفس وصل درجة عدم القدرة على التنفس. أسقط في يد معلمة الصف التي أرسلت في طلب المديرة، جاءت المديرة ووقف الجميع في حالة من الذهول لم تدرِ واحدة ماذا تفعل، فقد يكون ما تفعله مضراً بحالة الطفلة، لم تجد المديرة بديلاً عن حمل الطفلة والركض في ممرات المدرسة وهي تصرخ طالبة النجدة من الحارس. خرجت إلى الشارع وهي لا تحس بنفسها، تبكي وتترجى الحارس أن يوصل الطفلة إلى المستشفى، كانت حافية القدمين، ولم تدرك أنها لم تكن تلبس أي شيء يغطي شعرها ووجهها بل وحتى عباءتها، إلا بعد أن تحركت السيارة التي تحمل الطفلة. شعرت المديرة بأن تلميذتها لن تنجو، توقفت الدراسة وبقي كل مَن في المدرسة في حالِ من الوجوم والانتظار. استمرت الحالة لفترة تخيلها الجميع دهراً، لم تقطعها سوى مكالمة إلى جوال المديرة، كان الطرف الآخر هو الحارس الذي كان يبكي هو الآخر، لقد توفيت الطفلة، وكانت وفاتها خارج المستشفى، حسب تقرير الطبيب المعالج. خسارة فادحة لصديق عزيز، أرجو من الله أن يجبر قلبه وقلب أمها وأسرتهما، وأن يجعل الفقيدة شفيعة لهم. توجد في المملكة مجمعات مدرسية تضم أعداداً كبيرة من الطلاب والطالبات، يصل عدد من يرتادونها إلى ألف طالب ويزيدون في بعض الحالات. كما أن مرحلة الطفولة والمراهقة من المراحل التي يتعرض فيها الطلبة والطالبات إلى فيروسات بسبب الاحتكاك واكتظاظ الصفوف وتغيرات الجو، وعدم حرصهم بشكل عام على الاهتمام بصحتهم. يستدعي هذا أن يكون هناك اهتمام كافٍ من المدرسة بنواحي التربية الصحية، وعناية مستمرة بالطلبة والطالبات. يمكن القول إن من أسوأ القرارات الاكتفاء بوحدة صحية مدرسية وحيدة في المنطقة التعليمية، لكن الأسوأ من ذلك القرار هو إلغاء الوحدة الصحية المدرسية ونقلها لوزارة الصحة أو أي قطاع آخر. إن نوعية الطلبة، وتركيبتهم البدنية، وعدم تعرضهم للأنشطة التي كان أسلافهم يمارسونها، عناصر تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وهو ما يزيد عدد أيام الغياب ويؤدي بالتالي إلى تأثر التحصيل العلمي. تعتمد الوزارة على قيام أولياء الأمور بتنفيذ الخدمة الصحية لأبنائهم وبناتهم من خلال المنشآت الخاصة أو العامة، وهذا يؤثر على عمل ولي الأمر إضافة إلى الطالب أو الطالبة، وهو مساهم في التسيب وعدم الانضباط العام أيضاً، لأن البعض قد يتخذ من مثل هذه الأمور عذراً لعدم الحضور أو ترك العمل دون داعٍ. يعلم الجميع أن حادثاً مثل الذي صدرت به مقالي لا يمكن أن يقع في كثير من دول العالم، ذلك أن المدارس ذات الكثافة الطلابية العالية ملزمة بتوفير طبيب عام ينفذ كافة الإجراءات الطبية الاعتيادية، مثل التطعيمات وعلاج الإصابات وإجراء الإسعافات السريعة، وإنشاء ملف طبي لكل طالب أو طالبة، والمعلمون كذلك. يقدم الطبيب دورات في مجالات مهمة خصوصاً في مجال الإسعافات الأولية والعناية بمصابي الحروق، وإصابات الألعاب خصوصاً الرضوض والكسور، ونشر رسائل التوعية. إن وجود الطبيب في المدرسة وحصر تعامله مع عدد محدد من الأشخاص المتقاربي السن، يسمح له بتصنيف الحالات المرضية واكتشاف الإشكالات الصحية في وقت مبكر، وهو ما يعين على علاجها والتخلص من تراكمات آثارها سواء كانت تتعلق بسوء التغذية أم فقر الدم أم الإصابة بأمراض وراثية أو معدية كفيروس الكبد الوبائي. يمكن كذلك أن يساهم الطبيب في التعامل مع قضية مهمة تواجه الفئات العمرية الصغيرة في دولة مثل المملكة، وهي زيادة الوزن الناتجة عن انخفاض النشاط الرياضي وتناول الأطعمة غير المفيدة والوجبات السريعة. هذا يسمح للطبيب بأن يراقب المواد الغذائية المقدمة في مقصف المدرسة وأن يضع معايير وشروطا صحية تحمي الطلبة وتساهم في نمو أجسامهم بطريقة صحية. يمنح وجود الطبيب في المدرسة الفرصة لتوفير البيئة الصحية في الفصول الدراسية والمعامل والملاعب من نواحي الإضاءة والتهوية والضجيج. حيث يقدم الطبيب النصائح المهمة للحماية، ويمكن أن يساهم كذلك في تطوير البيئة المدرسية ونشر المسطحات الخضراء وتحديد مواعيد خروج الطلبة والطالبات لممارسة الرياضة وأنواع الألعاب التي يسمح بممارستها خصوصاً في فترة الصيف التي ترتفع فيها درجات الحرارة وتزيد خطورة التعرض لأشعة الشمس. أعتقد أن من المهم أن تراجع وزارة التربية والتعليم هيكلة المدارس وتعمل على جعل البيئة فيها أكثر حماية وأمناً للطلبة والطالبات. إن فقدان أي من أبنائنا أو بناتنا نتيجة عدم القدرة على التصرف مع حالة بسيطة مثل ضيق التنفس لهو أمر مؤسف. فبدل أن يكون هناك طبيب أو ممرض في المدرسة، لا تقوم الوزارة حتى بتأهيل عدد كافٍ من المعلمات والإداريات بل والطلبة والطالبات في مجالات العناية الإسعافية. لكن الأمر المهم الآن هو البدء بدورات تأهيل مكثفة وسريعة في مجال الإسعافات الأولية والتعامل مع الطوارئ كالحرائق والفيضانات، ومن ثم العمل على إيجاد تنظيم ينفذ هذه المهام في المدرسة دون الحاجة إلى الركض في الشوارع.
إنشرها