Author

حقيقة طفرة «النفط الصخري»!

|
لم يفرغ المختصون والمتخصصون من حدة النقاش وكثرة الحوارات والأخذ والرد حول ما يُسمى ''الذروة النفطية''، حتى أطل علينا وجه آخر من ملامح المواضيع المُثيرة للجدل. الحديث هذه المرة يتعلق بطفرة إنتاج ''النفط الصخري'' في الولايات المتحدة. والنفط الصخري، مثله مثل الغاز الصخري أو غاز السجيل، فهو عكس ما يتصوره بعضهم، ليس حديث الاكتشاف ولا جديدا في تقنية وطُرُق إنتاجه. فقد كان معروفاً منذ عقود طويلة. والتكنولوجيا المستخدَمة الآن في عملية إنتاجه كانت تمارَس في الحقول النفطية قبل عشرات السنين. والشيء الوحيد الذي تغير خلال السنوات الأخيرة وأدى إلى البدء في إنتاجه في أمريكا على نطاق واسع، هما ارتفاع أسعار النفط إلى المستوى الحالي، بين 90 و120 دولاراً للبرميل، وإلى درجة ما، الشعور بأن إنتاج النفط التقليدي الرخيص قد أوشك على بلوغ أعلى مستوى له، مع استمرارية زيادة الطلب العالمي على مصادر الطاقة، حيث أصبح لا يفي بكامل متطلبات المجتمع الدولي المتصاعدة للطاقة. وصار لزاماً على المستهلكين البحث عن مصادر جديدة أو متجددة لسد النقص في الإمدادات النفطية التقليدية. والنفط الصخري يوجد كسائل نفطي داخل مسام صخور صلبة عديمة النفاذية، ويتطلب إنتاجه فتح منافذ جديدة تسمح بتدفقه باتجاه آبار الإنتاج. وهو عكس النفط الرملي الذي يوجد في حالة صلبة مختلطا بالرمل ويتطلب إنتاجه عملية إحماء أو تسخينا لفصله عن المكونات الرملية. وإنتاج كليهما عالي التكلِفة ويحتاجان إلى مجهود ومعِدات خاصة. ونود في هذه العجالة أن نورد ما يثبت أن ما يُسمى النفط الصخري، مهما عظُم شأنه وتعددت مصادره، فلن يصل إلى مرحلة تهديد مصادر النفط التقليدي الرخيص، من نوع نفوط منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص، الخليج العربي. وسنحاول ألا نفرض رأياً خاصاً بتميز نوع على الآخر، بل سنترك الحكم للقارئ الكريم، بعد أن نوضح الفارق بين عملية الإنتاج والتكلِفة بالنسبة لكلا الصنفين. وسمعنا وقرأنا كثيرا مما تنقله وسائل الإعلام عما يسمونه ''ثورة النفط الصخري الأمريكي''. وهو، وإن كان كذلك بالنسبة للولايات المتحدة التي كانت قد فقدت نسبة كبيرة من إنتاجها خلال 40 سنة الماضية، فإن ذلك لا يعني لنا الشيء الكثير. بل إننا نرحب بإنتاج النفط غير التقليدي وبمصادر الطاقة المتجددة، لسبب جوهري، وهو تخفيف الضغط على نفطنا الذي تعدى مستوى إنتاجه حدود حاجتنا الضرورية من أجل تلبية الطلب العالمي. وما يتردد في الإعلام العالمي عن ''هلعنا'' من احتمال منافسته لإنتاجنا، ما هو إلا كلام لا يؤيده الواقع. فعندما نتحدث عن إنتاج نفطنا التقليدي، تقفز إلى أذهاننا كمية عطاء آبارنا التي تُقدَّر بآلاف البراميل من البئر الواحدة في اليوم، دون انقطاع أو انخفاض كبير لعشرات السنين. وهذا ما يجعل تكلِفة الإنتاج مُتدنية جداً بالقياس مع كثير من الدول المنتِجة، إضافة إلى النفط الصخري عالي التكلِفة. أما بالنسبة لعملية إنتاج النفط الصخري، فالأمر مختلف تماماً. فهناك حقائق لا بدَّ من عرضها لتكون الصورة واضحة والمقارنة معقولة. في أغلب الأحوال يبدأ إنتاج آبار النفط الصخري بعد عملية التكسير الهيدرولوكي، الذي سنأتي عليه لاحقاً بشيء من التفصيل. ولا تتعدى قدرة الآبار على إنتاج أكثر من بضع مئات من البراميل في اليوم، وربما العشرات، مقارنة بالآلاف بالنسبة لآبار النفط التقليدي. وخلال السنة الأولى ينخفض الإنتاج بنسبة كبيرة تصل إلى 75 في المائة، كما هو واضح من الشكل البياني التالي، الذي يمثل حالة مثالية. ولنتصور أن بئراً كان إنتاجها في حدود 500 برميل في اليوم، وخلال عام واحد فقط ينخفض إلى 100 و125 برميلاً. هذا يستدعي حتماً اتخاذ إجراءات عاجلة لحفر آبار عِدة لتعويض الإنتاج المفقود، إلى جانب إعادة عملية التكسير في البئر نفسها أكثر من مرة واحدة لرفع كمية الإنتاج إلى المستوى الأصلي. وهكذا تتوالى عمليات التحفيز؛ ما يضيف إلى تكلفة الإنتاج. وعملية التكسير الهيدرولوكي تتمثل في ضخ كمية كبيرة من الماء، في حدود خمسة ملايين جالون، مع خليط من الرمل والمواد الكيماوية، تُدفع بواسطة مضخات خاصة، إلى قاع البئر تحت ضغط كبير. والهدف منها إحداث شقوق في الصخور الصلبة الحاملة للنفط وإبقاءها مفتوحة بواسطة حبيبات الرمل التي تلج وتستقر داخل الشقوق. وعملية التكسير تساعد على تكوين منافذ تسمح بتسرب النفط ''المحبوس داخل الصخور'' باتجاه البئر. وهناك فارق كبير بين طريقة انسياب السوائل النفطية في آبار الحقول التقليدية، كالتي توجد في منطقة الخليج العربي وبين تسرب النفط من خلال الشقوق الشَّعرية المُحدَثة في آبار حقول النفط الصخري. ففي حالة الآبار التقليدية، يتواصل الإنتاج من محيط البئر الذي يمتد نصف قطره نظريا إلى أقصى حدود الحقل ويستمر لعشرات السنين دون تغيير يُذكَر. بينما في بئر النفط الصخري يكون حجم الصخور المنتِجة محدوداً جدا وعلى مسافة قصيرة من محيط البئر. وبمجرد بدء الإنتاج تنخفض كميته بنسبة كبيرة، كما هو مشاهد في الرسم البياني أعلاه. ومهما أضفنا من آلاف الآبار الجديدة وجددنا حياة الآبار القديمة، فكمية الإنتاج ستظل متواضعة والعملية مكلفة للغاية. ويراوح مُعدل تكلِفة إنتاج البرميل الواحد من النفط الصخري، ومعظم النفوط غير التقليدية، ما بين 60 و80 دولاراً، مقارنة مع أقل من عشرة دولارات لإنتاج برميل النفط التقليدي. إضافة إلى أن لعملية التكسير الهيدروليكي آثارا سلبية على البيئة المحيطة بالبئر، تحت وفوق سطح الأرض؛ ما يجعل عملية الإنتاج عُرضة لقوانين المحافظة على البيئة الصارمة التي ربما تصل إلى حد إيقافها أو تحَمُّل إضافات مالية كبيرة. وهذا ينطبق على حالات إنتاج النفط الصخري خارج الولايات المتحدة. وكل ما يُقال ويُنشر في وسائل الإعلام لا يعدو عن كونه تهويلا وتعظيما لأمر بسيط من قِبَل أناس ليسوا متخصصين في مجال إنتاج النفط، الهدف منه خلق نوع من البلبلة في أذهان الرأي العام. فخلال السنوات القليلة الماضية من عمر النفط الصخري لم يتجاوز الإنتاج المليون برميل في اليوم، في الوقت الذي تفقد فيه حقول النفط التقليدي المنتِجة سنويا ما يزيد على ثلاثة ملايين برميل، نتيجة للنضوب الطبيعي. في الواقع، أن ما يُهدد مستقبل الثروة النفطية لدول الخليج، ليس إنتاج النفط الصخري ولا البدائل المتجددة، بل الإسراف في الإنتاج، في وقت لا نعلم ماذا يخبئ لنا فيه القدر. فنحن ولله المنّة والشكر على كل حال، أمة نائمة، لا تصنع خبزها بأيدي أبنائها، بل تشتريه من فائض دخلها الذي لن يدوم إلى الأبد.
إنشرها