الضربات الأمنية أنهكت خلايا الإرهاب في السعودية .. بقيت ذراعه الإلكترونية

الضربات الأمنية أنهكت خلايا الإرهاب في السعودية .. بقيت ذراعه الإلكترونية

الضربات الأمنية أنهكت خلايا الإرهاب في السعودية .. بقيت ذراعه الإلكترونية

الضربات الأمنية أنهكت خلايا الإرهاب في السعودية .. بقيت ذراعه الإلكترونية

منذ أحداث ما عرف بـ ''الربيع العربي'' وتنظيم القاعدة الإرهابي يدير حملة من ''العلاقات العامة'' التي يبدو أنه يفهمها جيداً، خصوصاً بعد الضربات الأمنية التي أنهكت خلاياه تماماً على الأرض السعودية، ولم يبقَ من جسد التنظيم سوى ذراعه الإلكترونية. السلوك النمطي إعلامياً لتنظيم القاعدة مرتكز منذ بواكيره ولا يزال على الجانب الإلكتروني الذي راهن ولا يزال يراهن على قدرته على ''التحشيد'' من جهة، والاندماج في أي حراك جماعي آخر يخدم أجندتهم السياسية أو الجهادية من جهة أخرى. يرى ياسين مشربش، الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب في موقع ''شيبغل'' الألماني أحد أهم المواقع الإخبارية ''عادة ما يوجد ارتباط ملحوظ بين الحضور الإلكتروني على الإنترنت لأي مجموعة إرهابية مسلحة، لكن يجب وضع اعتبار آخر، لفهم المسألة بشكل أعمق، يتمثل في أن شبكة الإنترنت تسمح بتمويه، يلعب لصالح المجموعة المعنية، فمن السهل أن تظهر المجموعة على الإنترنت أكبر حجماً وأكثر خطورة مما هي عليه في الواقع''. لقصة الإعلام والقاعدة فصول عدة، ولكن الأكيد أن لها بداية واحدة سيأتي على سياقاتها هذا الاستقراء الصحافي. غير أن آخرها، وليس أخيرها، سيكون مدخلاً مناسباً لمحاولة فهم كيف تفكر القاعدة إعلامياً، وكيف صنعت حلفاء جدد. ومسرح الأحداث هذه المرة هو وسيلة التواصل الاجتماعي الشهير ''تويتر'' والقضية هي ملف ''المعتقلين الأمنيين''، الذي فنده المتحدث الرسمي للداخلية اللواء منصور التركي في مؤتمره الصحافي أخيراً الذي كان من تداعياته ما عرف باسم ''اعتصامات بريدة''، والقصة مشهورة. هذا الملف الذي تم تبنيه ليس فقط من قبل المعرفات التي تحمل أعلام وشعارات القاعدة وتروج لأدبياتها، بل وأيضاً تم إسباغ صفة ''المعتقلين السياسيين'' عليهم من قبل معرفات أخرى، تتحرك بشكل منظم على مواقع الإنترنت، يروج أغلبها للأدبيات الإخوانية، التي تشعر بنشوة الوصول للسلطة في دول '' الانتفاضات الشعبية'' وتصرح بأمانيها في تحويل هذه الحالة السياسية إلى السعودية المستقرة، تحت شعارات حقوقية. فيما تتوزع بقية الحركات بين من يحملون أدبيات التيار القومي العروبي (الأنظمة القومية الأكثر قمعاً وزجاً للمثقفين في السجون في العصر العربي الحديث) وبين من يحملون أدبيات ''اليسار'' بشقيه الليبرالي والكلاسيكي (فشلت جميع الأنظمة اليسارية في العالم في أن تكون ديمقراطية)، فضلاً عن التضامن التكتيكي من قبل رموز ''الإسلام السياسي الشيعي'' المصدر من إيران. (إيران بدورها ترزح تحت طائلة العقوبات الدولية وتتراجع اقتصادياً وتدعم التقتيل المنظم الذي يمارسه نظام بشار الأسد تجاه الشعب السوري). مالي والاعتصامات والعودة #2# هذه المجاميع السياسية لطالما تجاوبت وتبنت ترويج قضايا القاعدة إعلامياً، فمن حرب فرنسا على تنظيم القاعدة في مالي، إلى اعتصامات بريدة، إلى خطاب الدكتور سلمان العودة المفتوح. ومن المفيد في هذا السياق، ضرب أمثلة لنماذج هذا التعاطف مع تنظيم القاعدة في دولة مالي، بل إلى حد نفي وجود أساس للقاعدة في مالي في بعض الأحيان، فغرد الدكتور محمد الحضيف، قائلاً عن حرب فرنسا على تنظيم القاعدة في مالي ''قرار الرب سبحانه أن من يظاهر الكفار على المسلمين، أي يناصرهم، فضلاً أن يمولهم لقتل المسلمين فهو كافر مثلهم''. فيما لخّص الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد ''الناشط'' في ''تويتر'' آراءه حول حرب فرنسا على تنظيم القاعدة في مالي، في زاويته الصحافية في جريدة ''العرب'' القطرية ما لا يراه يعدو كونه ''دعاية فجة تحاول إرهاب الجماهير باسم ''القاعدة''''. الآراء السابقة كانت تعبر عن رؤية طيف كبير من الأسماء الوهمية والحقيقية في موقع التواصل الاجتماعي ''تويتر'' من مختلف المشارب السياسية. فبينما كان ينفي ''المغردون'' الحركيون وجود تنظيم للقاعدة في شمال مالي، كان تنظيم القاعدة يعلن عن نفسه هناك، وينشر بياناته الإعلامية في مواقع الإنترنت. وكان آخرها اعتراف ''القاعدة في بلاد المغرب'' بمقتل أميرها في منطقة مالي عبد الحميد أبو زيد، نافية أن يكون القيادي البارز الآخر في التنظيم مختار بلمختار، قد لقي أيضا مصرعه في مالي. إضافة إلى بيان (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) نصح فيه قائلاً: ''على الحكومة والشعب الفرنسي أن يتراجعوا عن هذا العدوان وأن يهتموا باقتصادهم المتدهور ومشكلاتهم الداخلية.. ولا تستزيدوا من المشكلات، ولكم في مصير الأمريكان عبرة، واسألوهم فلا ينبئكم مثل خبير، إن أمريكا ذاقت من الذبح في العراق وأفغانستان ما جعلها تعض أصابع الندم، فانظروا بعين عقولكم إن كان لكم في أنفسكم حاجة''. وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو ذاته الذي أصدر أحد صفوة قياداته، المطلوب الأمني، العائد من غوانتانامو المطلق سراحه من قبل الداخلية السعودية إبراهيم الربيش تأييده لاعتصام بريدة والضغط في إخراج المطلوبين أمنياً. فما علاقة إبراهيم الربيش بالمطلوبين الذين تم من أجلهم الاعتصام؟ اعتصامات بريدة وخطاب العودة في غمرة ترويج مواقع التواصل الاجتماعي للمعتقلين الأمنيين على أنهم معتقلون ''سياسيون'' وأنهم مجرد ''أصحاب مطالب إصلاحية'' وفي غمرة التأجيج تجاه الدفع لحالة من ''التحشيد'' الجماعي بمشاركين في اعتصام بريدة، ظهر لتنظيم ''القاعدة'' الإرهابي في ''جزيرة العرب'' فيديو مصور على مدار ساعة من الزمن لأحد قادتها إبراهيم الربيش آنف الذكر، داعياً إلى استغلال تأجيج العواطف تجاه ''المعتقلين أمنياً''، الذي ظهر جلياً في ''تويتر'' موقع التواصل الاجتماعي، ومباركة اعتصامات بريدة التي تطالب بإطلاق سراح أفراد من ''الفئة الضالة'' بحسب وصف الداخلية السعودية ومن ''المجاهدين''، بحسب الربيش. قائلاً ما نصه: ''وصيتي ألا تنتهي قضيتهم بالخروج من السجن، وإنما هم حَمَلة رسالة، دخلوا السجن من أجل قضية، ويجب أن يخرجوا مدافعين عن هذه القضية، ومناضلين عنها، وحماة لها''. مضيفاً ''المعتقلون يجب أن يستغلوا تعاطف الناس معهم ويحرضوهم على الجهاد في سبيل الله ويدعوهم إليه، يجب أن يتحولوا إلى دعاة''. وعلى الرغم من مباشرة الربيش في توضيحه ارتباط خيوط ''المعتقلين الأمنيين'' بـ ''الفئة الضالة''، وما لحقها من اعتصامات بريدة. جاء خطاب الدكتور سلمان العودة ''المفتوح'' سابحاً على هوى التيار ''الحركي''، متماهيا مع حركة اتجاه الريح أنى ذهبت بخليطها القاعدي والإخواني واليساري وحتى الإسلام السياسي الشيعي فتم تلقفه من قبل المجاميع السياسية التي تم التعريج عليها. والحال أن العُودة أحد ''نجوم الشباك'' في تويتر، له كثير من المواقف السياسية المربكة لمتابعيه أخيراً خصوصاً مع ما سمي بـ ''الربيع العربي'' فهو الذي رأى في تونس إبان حكم الرئيس المخلوع زين العابدين ''المعنى الصحيح'' للدولة، قائلاً: ''سمعت لغة الخطاب السياسي فرأيتها تتكئ الآن على أبعاد عروبية وإسلامية، وهي في الوقت ذاته ترفض العنف والتطرف والغلو، وهذا معنى صحيح، ومبدأ مشترك لا نختلف فيه، استوحيت من التفاوت الذي أدركته بين ما شاهدته وبين ما كنت أسمعه أهمية الانفتاح بين الأمصار الإسلامية''. (موقع ''الإسلام اليوم''). ولكنه عاد ليتراجع في تصريحه لقناة ''المجد'' الإسلامية ليصف تحرك الشعب التونسي بعد الثورة قائلا: ''الشعب التونسي تحرك من أجل الحريات التي لم يكن يحصل عليها، ومنها حرية العمل السياسي والممارسة الشفافة، وثار من أجل الهدر المالي، وتحرك من أجل الفساد الإداري (...) وهي فرصة تاريخية لصناعة نموذج نظام سياسي''. وذات الصيغة المدائحية لسيف الإسلام القذافي قبل سقوطه مع أبيه، وعاد لينقلب على ما رآه مشاريع إصلاحية إبان زيارته لليبيا. مظاهرات تويتر الفشل الواضح لنقل حالات التجييش ''الشعبي'' الذي يمارسه الرموز الحركيون في ''تويتر'' للشارع السعودي ''غير المسيس'' منذ ما عرف بثورة ''حنين''، انتهاء بخطاب العُودة، أدى إلى خلق ''مظاهرات وهمية'' في العالم الافتراضي، استخدمت الـ ''هاشتاق'' كميدان للحشد دون ذائقة سياسية منسجمة أو رؤية ''إصلاحية'' مشتركة (الإصلاح مصطلح محل جدل بحاجة إلى تحرير، خصوصاً مع استخدامه كمظلة فقط يجتمع تحتها الفرقاء إيديولوجيا، وتلك قصة أخرى). #3# تبدأ الحملات ''التويترية'' في الـ ''الهاشتاق'' بخلق حالة افتراضية تقوم على التحشيد الجماهيري يشارك فيها جميع التيارات السياسية، بمن فيها حركيو القاعدة بالطبع، بأعلامهم السوداء المميزة في المعرفات. ويولّد هذا التدافع ''الشكلي'' في تويتر موجة موجهة نحو الهدف السياسي المفترض. يقول الباحث الفرنسي غوستاف لوبون، صاحب الكتاب الشهير ''سيكولوجية الجماهير'' : ''الجماهير لم تكن في حياتها أبدا ظمأى للحقيقة. وأمام الحقائق التي تزعجهم فإنهم يحولون أنظارهم باتجاه آخر، ويفضلون تأليه الخطأ، إذا ما جذبهم الخطأ. فمن يعرف إيهامهم يصبح سيدا لهم، ومن يحاول قشع الأوهام عن أعينهم يصبح ضحية لهم''. حالات الإيهام لا تقتصر فقط على عملية إنتاج المعرفة الشائعة في ''تويتر''، بل تتعدى إلى حالة الإيهام بإنتاج المعلومة أيضاً. فـ ''الناشط'' على موقع تويتر عصام الزامل، قدم صورة أخرى لحالة التحشيد الجماعي من خلال ما أسماه استطلاعاً للمؤيدين لخطاب سلمان العودة ومعارضيه، ووصل الاستطلاع بحسب الزامل لنتيجة ''شعبية'' ساحقة تؤيد خطاب العودة. يقول الباحث والكاتب يوسف الديني، في هذا السياق لصحيفة ''الاقتصادية'': ''من الناحية العلمية مثل هذه الاستطلاعات ذات الطابع الفردي تدخل في قائمة الجرائم المعرفية لأنها مسلوبة الشرعية بسبب هشاشة الأرقام ومنهجيات الاستطلاع والجهات التي تقف وراءها أو تمولها وهي كلها أسئلة يجب أن يتم الكشف عنها في حال تبني استطلاع يخص قضايا مجتمعية عامة وملفات سياسية كبرى، المنهجية لا تقف عند شريحة المستطلعين بل تتجاوز ذلك إلى صفات تمثيلهم المجتمعي وطريقة طرح السؤال والخيارات المتكافئة وحياديتها ومقدار التحيّز فيها''. ويضيف: ''الاستطلاع المنهجي له أسس نظرية وفلسفية لا يمكن تصورها في استفتاء انطباعي شخصي في تويتر، هناك العديد من البرامج المتخصصة في عمل الاستفتاءات تقدمها منظمات معتمدة مثل المنظمة الأمريكية للرأي العام AAPOR الرابطة العالمية لأبحاث الرأي العام WAPOR. من جهة ثانية أهم من الاستطلاع نفسه هو تفسير الاستطلاع وتحليله عبر فرز حجم التأثير باستخدام الكلمات الدالة والمفتاحية والتأثير على قارئ الاستطلاع وحجم الإنفاق على الدعاية أو الروابط الشخصية التي تم استغلالها في هذا السياق عادة ما يقال عن الاستطلاعات المحتملة من هذا النوع إنها الاستطلاع الواحد بتفسيرات متعددة، وهو ما يستلزم لدى الباحثين الجادين اطلاع المشككين على البيانات الخام Raw Data'' . تاريخ مختصر في دراسة صدرت عام 2007 للباحث النرويجي المعروف توماس هيغهامر، قدمت في جامعة برينستون، أشار فيها إلى عاملين رأى لعبهما دوراً حاسماً في تكوين ''القاعدة في جزيرة العرب''، وهما: ''وجود تكتل قوي للقيادات الكفؤة''، والثاني ''نجاح القاعدة في استخدام الإنترنت كوسيلة للإغراء والاستقطاب''. بالعودة لمشربش، يروي في دراسة قام بنشرها مركز المسبار للدراسات والبحوث عن بدايات عمل القاعدة على الإنترنت ''كان يوسف العييري من أوائل المساندين لأسامة بن لادن، وكان مثقفاً ومن قدامى المحاربين في ساحات القتال في البوسنة والصومال، وأفغانستان على الأرجح. كان أيضاً عضواً في أول مجموعة صغيرة من جيل ضم كوادر القاعدة الذين كانوا يعرفون ماهية الإنترنت، وكانت لديهم رؤية عما يمكن أن توظف لأجله. في الحقيقة كان العييري المصمم والمنفذ لأحد أول المواقع الإلكترونية التي يمكن اعتبارها مواقع تابعة للقاعدة، أسماه موقع النداء، الذي أطلق في عام 1998، وظل بين النشاط والانقطاع إلى أن تم دمجه في وقت لاحق، بعد الإنشاء الفعلي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مع موقع التنظيم الرسمي آنذاك ''صوت الجهاد'' ثم تلتها مجلة البتار''. جدير بالذكر أن المجلتين انقطعتا عن الصدور المنتظم بعد أقل من سنة ونصف، غير أن المواد التحريرية للمجلتين ما زال يتم تداول بعضها وتحديدا معسكر البتار كمصادر ومراجع للمعرفة العسكرية. وبطبيعة الحال لا يمكن الحديث عن مدى اهتمام تنظيم القاعدة بالإعلام، دون التعريج على التصريح الشهير لأيمن الظواهري، الرجل الثاني في التنظيم في حينه، ورجلها الأول اليوم. حيث قال: ''إن أكثر من نصف المعركة يدور في ساحات الإعلام، ذلك أننا نخوض معركة إعلامية في سباق لاستمالة قلوب وعقول المسلمين''. وكان لمنتديات الإنترنت حظوة كبيرة لدى منظّري القاعدة في حينه مثلما ما لـ ''تويتر'' اليوم، حتى إن بعض الموضوعين على قوائم المطلوبين في السعودية، تم القبض عليهم برصد محركات معرفاتهم التي كانوا يكتبون بها في منتدى ''الساحات'' الشهير، والذي توارى وخفت تأثيره حتى تم إغلاقه من قبل القائمين عليه. منذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تتغير استراتيجية القاعدة الإعلامية القائمة على إيجاد كتّاب دائمين ومؤثرين في الإنترنت، يطرحون تأييدهم المباشر والعلني لأهداف التنظيم، عبر خطابات حماسية وعاطفية. وبحسب مختصّين، وصل عدد المواقع التي تهتم بترويج خطاب القاعدة التحريضي إلى ما يقرب من 500 موقع إنترنت شامل، تحوي كل المعلومات التي تهتم بالتدريب والدعم اللوجستي والاستخباراتي. كل ذلك يأتي مقروناً بخطابات تحريضية. حاسب آلي، واتصال بشبكة الإنترنت، وتسجيل باسم وهمي أو حقيقي، هو كل ما يحتاجه الفرد لإيصال قناعاته للآخرين ولو كانت ''كارثية''. لا معايير أخلاقية أو مهنية تحكم هذا السلوك ''الإعلامي''. المجال مفتوح وواسع لأشرس أنواع الحروب مع الأنظمة، من دعوات لإسقاطها إلى التحريض على المختلفين واغتيالهم ولو معنوياً.
إنشرها

أضف تعليق