Author

هيبة الدولة

|
سقطت هيبة الدولة في تونس ومصر وليبيا واليمن، حتى صار من الصعب استعادتها. سادت الفوضى في كل مكان. تم تصنيف مصر الثانية عالميا بعد أفغانستان في نسب التحرش بالنساء. انفتحت في ليبيا حرب قبلية لا يعلم أحد متى تنتهي. تحولت تونس التي كانت تصنف باعتبارها من أكثر المنظومات العربية تنظيما لفكرة المجتمع المدني، إلى عالم فوضوي يستدعي تكرار التصريحات التي تؤكد فكرة سقوط هيبة الدولة والسعي لاستعادتها، كما قال ذلك لـ «الشرق الأوسط» علي العريض رئيس وزراء تونس. اليمن ليست في منأى عن هذه الفوضى والاحتراب والتداخل بين القاعدة والحوثيين والحراك الجنوبي والفوضى والتحزبات والقبلية الضاربة جيوبها في الشمال. ما سبق ليس موقفا مع أو ضد الربيع العربي. لكن واقع الحال، أن الفئات المتناحرة في كل البلدان التي شهدت ثورات، بما في ذلك سورية التي لم تستو سفينتها على الجودي بعد، بسبب التباينات بين أطراف المعارضة، الأمر الذي جعل هذه التباينات تنتقل للأطراف الخارجية الداعمة لحقوق الإنسان في سورية. تبدو الإشكالية في المشاهد السابقة، في غلبة «الأنا» ورغبة الاستقواء على كل الأطياف، سواء تلك التي تصدرت المشهد السياسي، أو تلك التي وجدت أنها تتراجع تدريجيا إلى صف المعارضة. الخاسر الوحيد، في لعبة التجاذبات، هو الإنسان البسيط، الذي يرفع شعار: أريد أن أعيش. الإنسان صاحب الأماني البسيطة المتمثلة في العيش الآمن الكريم. لكن مع غياب الأمن، وتلاشي فرص العيش الكريم، ظهرت الصورة على حقيقتها. لقد انتصرت الثورات، ولكن الدولة انهارت، وغابت هيبة الأمن، وتم سحق كرامة البسطاء أكثر من السابق. وحدهم المتطرفون سيستمرون في الدفاع عن المشهد، أو تبريره، وسيواصلون التبشير بالنموذج نفسه هنا وهناك. لكن حقائق الأمور لا يمكن سدها بغربال، مع تقديري واحترامي لبعض أصدقائي الذين لا يزالون متفائلين. وهؤلاء يذكرونني بعرب 1967 الذين كانوا يريدون رمي إسرائيل في البحر، إذ رغم توالي أنباء السقوط والهزيمة والتدمير للطائرات الرابضة في المطار، إلا أنهم كانوا يتصورون أن هذا الأمر مجرد مؤامرة دولية، وأن الحقيقة أن إسرائيل أصبحت في البحر، ولهذا شربوا من البحر، وبعضهم توقف عن الكلام نتيجة الإحباط والألم الناتج عن الخديعة الكبرى.
إنشرها