Author

استراتيجيات مكافحة الفساد بين الفاعلية والفشل

|
الفساد عدو التنمية ومعيقها لسببين رئيسين: الأول إضعاف فاعلية الخطط التنموية بتغيير توجهاتها الاستراتيجية لصالح المفسدين والفاسدين من أصحاب الذمم المطاطة والوسيعة، والآخر إضعاف كفاءة الموارد بتبديدها من خلال تحويلها إلى جيوب منظومة المفسدين والفاسدين بجميع مستوياتهم العليا والمتوسطة والدنيا، وأخطر حالات الفساد عندما يصبح شائعاً في جميع المستويات الإدارية ولا يقف عن مستوى معين، وشيوع الفساد يؤدي بطريقة أو بأخرى إلى قبوله ضمنياً من المجتمع ليكون المجتمع بالمحصلة مجتمعاً فاسداً. إعاقة خطط التنمية عن تحقيق أهدافها في كافة المجالات التعليمية والصحية والإسكانية والبنى التحتية وغيرها تنعكس سلباً على حياة الناس الذين تتفاقم معاناتهم وتنخفض مستويات جودة حياتهم شيئاً فشيئاً، الأمر الذي يحرك ناشطيهم بداية لمواجهة الفساد والمفسدين وهنا يعمل المفسدون والفاسدون على التصدي لهم وتبدأ الأزمة وتتفاقم شيئاً فشيئاً حتى تتحول إلى ثورات شعبية عارمة تطيح بالجميع وتقضي على المكاسب وتعيد الأوطان لنقطة الصفر كما هو الحال في كل من مصر وليبيا وتونس وسورية والعراق واليمن، حيث يعاني المفسدون والفاسدون وبقية الشعب حالة مزرية من الفوضى والفشل وتوقف عجلة التنمية. ولقد اعتبرت منظمة الشفافية الدولية والمؤتمر العالمي لمكافحة الفساد الذي عقد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في البرازيل أن من أهم أسباب الربيع العربي والمطالبات الإصلاحية في دول العالم الأخرى هو حجم انتشار الفساد، وبالتالي فإن الفساد ليس قضية جانبية يمكن التعاطي معها بشكل بسيط ودون اهتمام بالغ، ودون هياكل سياسية واقتصادية وعدلية قوية تراقب وترصد وتضبط وتسائل وتعاقب وتشهر بقوة القانون، وبدعم من أعلى السلطات، نعم الصلاح والعدل أساسا الاستقرار والنمو والفساد أساس الفوضى والدمار، ولا يتوقع أحد أن الاستقرار والنمو يتحققان في ظل الفساد مهما كانت درجات الغموض، ومهما كانت قوة الأجهزة الأمنية الداعمة للمفسدين والفساد، ولنا في الأجهزة الأمنية في سورية ومصر مثالاً فها هي عجزت عن لجم الشعوب ومنع الثورات والحفاظ على آمن واستقرار الأوطان. إذن مكافحة الفساد قضية مصيرية، وعلينا أن نفكر ملياً في استراتيجيات فاعلة وناجعة للحد منه ومحاصرته في النسب المتعارف عليها دوليا في إطار المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نعيشها، نعم علينا أن نركز في حل مشكلة الفساد ولا نشتت جهودنا في حل عوائق معالجتها تتطلب وقتاً طويلاً وجهوداً كبيرة وخسائر قد تكون فادحة، دعونا نركز في حلها بفاعلية باستراتيجيات ذكية فاعلة بأقل وقت وأقل جهد وخسائر. من وجهة نظري، أن حل مشكلة الفساد يجب أن تكون في مسارين رئيسين، الأول عاجل وفي إطار الأوضاع القائمة والفرص المتاحة، والآخر متوسط أو طويل الأجل يقوم على رؤية مستقبلية تستشرف هياكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في القادم من السنوات في ظل التغيرات المحلية والدولية واتجاهات التنمية المتوقعة في المجالات كافة. ولنتحدث عن المسار الأول، وهو الحلول العاجلة والتي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ بتأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتاريخ 13/4/1432هـ كأحد برامج الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وهي هيئة تمر بمراحل التأسيس والتخطيط وإعداد البرامج التنفيذية الاستراتيجية ومشاريعها كما تعمل في الوقت نفسه على معالجة كثير من قضايا الفساد بالتعاون مع جمهور المواطنين المقيمين. ولننطلق من قضية التعاون مع المواطنين والمقيمين الذين أصبحوا بفضل تكنولوجيا المعرفة وبرمجياتها قادرين على صناعة المحتوى الإعلامي ونشره أو بثه ما جعلهم قوة مراقبة وضبط جودة فاعلة وغير مكلفة لو أُحسن استخدامها، وهي قوة قادرة على مراقبة ورصد مظاهر الفساد والتواصل مع الهيئة للإبلاغ عنه، كما أنها قادرة على التشهير بالمفسدين والفاسدين وآثار أعمالهم السلبية، وبالتالي يمكن استخدام هذه القوة لتطبيق استراتيجية إيقاف تقدم الفساد وإيقافه عند وضعه الحالي كخطوة أولى، ومن ثم محاصرته والدفع به إلى الخلف من المستويات الإدارية الدنيا إلى المتوسطة حتى الوصول لفساد أصحاب القوة والنفوذ كمرحلة ثانية. على أن يصاحب هاتين المرحلتين حملة توعية تحلل أنواع الفساد وتشخّص مظاهره وتعدد آثاره السلبية كماً ونوعاً على الفرد والمجتمع والوطن، ومن ثم الاستثمار الأمثل لقيم الإسلام الأخلاقية ومعتقداتنا كمسلمين نؤمن أن الدنيا دار عبور وامتحان وبها نقدم لحياة الآخرة وما نص عليه القرآن الكريم وما ثبت من السنة النبوية المطهرة في شأن الفساد والمفسدين وضرورة مكافحتهما والإثم الذي يلحق بفاعله، وكل ذلك بهدف توعية المجتمع بأنواع الفساد ومخاطره وآثامه ومحاصرة في الفساد في مستويات إدارية معينة والحد من استشرائه في المستويات الدنيا والمتوسطة. وأخيراً، تطوير استراتيجية خاصة لمكافحة فساد أصحاب القوى والنفوذ تعمل على تحقيق أهدافهم التي يسعون لتحقيقها من خلال الفساد من خلال بدائل تنموية ذكية تحقق ذواتهم وأهدافهم كما تحقق الأهداف التنموية للبلاد في جميع مجالاتها من جهة وتحقق رضا المواطنين والمقيمين من جهة ثانية بما يعزز التنمية والاستقرار معاً. اقترح ذلك وأنا، وللأسف الشديد، أسمع كثيرين ممن يشعرون بأن مكافحة الفساد غير ممكنة في ظل المعطيات الحالية، وأن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هيئة تجميلية عاجزة ولا أمل لها بالنجاح، لكني أذكر هنا قصة ممن سخروا من يشرب الدايت بيبسي بعد وجبة دسمة وفوجئوا بأن سلوكه هذا صحيح لكي لا يحمل البنكرياس ما لا يطاق. ختاماً، كلي أمل أن نتحول للروح الإيجابية تجاه مكافحة الفساد في بلادنا الذي أصبح أمراً ضرورياً وملحاً وأن نثق بالهيئة الوطنية وندعم جهودها ونحثها على تطبيق أفضل وأنجع الاستراتيجيات الفاعلة القادرة على التعامل مع الواقع السعودي لتتقدم بلادنا في مؤشر مدركات الفساد كدليل واضح على معالجة الفساد والذي يجب أن تعكسه التطورات في جودة حياة المواطن السعودي من خلال تحقيق الأهداف التنموية في المجالات كافة.
إنشرها