Author

اتساع الهوة في أسعار الطاقة بين أمريكا والعالم .. ما الحل؟

|
تختلف أنواع النفط باختلاف الآبار والمناطق المستخرجة منها، وهنالك معايير عالمية تصف خصائص النفط، وبالتالي يسهل تمييز النفط الجيد من غيره. وتستخدم الخامات القياسية مثل "غرب تكساس" و"برنت" للمساعدة على تسعير 160 نوعاً من النفوط المختلفة. ويتم تسعير هذه الخامات بناء على مدى اختلافها عن الخامات القياسية ومدى بعدها عن أسواق هذه الخامات. ويتم التمييز بين أنواع النفط بحسب كثافتها (وزنها مقارنة بحجمها) وحموضتها (نسبة الكبريت فيها)، إضافة إلى عوامل أخرى مثل احتوائها على بعض المواد النيتروجينية أو المعادن الضارة. يستخدم خام برنت معيارا لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي، خاصة في الأسواق الأوروبية والإفريقية. ويعتبر ''برنت'' من النفوط الخفيفة الحلوة بسبب وزنه النوعي البالغ 38 درجة، وانخفاض نسبة الكبريت التي تصل إلى 0.37 في المائة. وبناء على الفروق بينه وبين الخامات الأخرى فإنه بشكل عام يباع بسعر أعلى من سلة نفوط ''أوبك'' بنحو دولار للبرميل، وبسعر أقل من خام غرب تكساس بنحو دولار أيضاً. ويتداول في بورصة لندن. أما خام غرب تكساس فيعتبر أيضا من النفوط الخفيفة الحلوة، إذ إنه يحتوي على 0.24 في المائة من الكبريت فقط، ما يجعله يتفوق على نفوط ''أوبك'' وعلى خام برنت، لذلك فإنه يباع في المتوسط بسعر أعلى من سلة نفوط ''أوبك'' بنحو دولارين، وأعلى من برنت بنحو دولار واحد. ونظراً لجودته فإنه المصدر الأساسي للبنزين في الولايات المتحدة، وينتج معظمه في غرب تكساس، ويتداول في بورصة نايمكس بنيويورك. وبما أن 85 في المائة من النفط العالمي أقل جودة من برنت ومن خام تكساس، فإن معظم الأنواع الأخرى من النفط العالمي تتداول بسعر أقل من برنت وغرب تكساس لكنهما يبقيان المعيار الرئيس للتسعير. شهدت أسعار النفط والغاز في الآونة الأخيرة، تباينا واضحا ما بين الولايات المتحدة وباقي دول العالم. ولأن جودة خام غرب تكساس أفضل من برنت من حيث الكثافة ونسبة الكبريت، فمنذ كانون الثاني (يناير) 1985 حتى نهاية 2009 كان سعر الخام الأمريكي غرب تكساس أعلى بنحو 1.33 دولار للبرميل من سعر خام برنت. لكن منذ زيادة إنتاج أمريكا الشمالية من النفط غير التقليدي بدأ سعر برنت يتفوق على خام غرب تكساس تدريجيا. فعلى سبيل المثال: قبل خمس سنوات كانت أمريكا تستورد نحو ثلثي احتياجاتها من النفط من الخارج، لكن الفارق بين برنت وخام تكساس كان لا يتعدى بضعة دولارات للبرميل. وفى السنوات الثلاث الأخيرة حفز ارتفاع أسعار النفط العالمية زيادة إنتاج النفط غير التقليدي من الصخور ومن الطبقات الكتيمة، ما أدى إلى هبوط استيراد أمريكا من النفط الخام إلى أقل من 50 في المائة مقارنة بـ 2010. ومن المتوقع أن تصل نسبة استيراد أمريكا للنفط من الخارج إلى نحو 30 في المائة من احتياجها في 2025. لكن من الأمور اللافتة للنظر التي حدثت في منتصف عام 2010 أن سعر خام برنت أصبح أعلى من خام تكساس على الرغم من أن الخام الأمريكي أجود من حيث الكثافة ومن حيث نسبة الكبريت. وازداد هذا الفارق مع مضي السنين، فعلى سبيل المثال كان معدل الفارق في 2005 نحو ثلاثة دولارات لمصلحة برنت، ثم قفز هذا الفارق في منتصف 2010 إلى 15 دولارا ومن ثم وصل الفارق إلى القمة مسجلاً 26 دولارا في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مدعوما بزيادة الإمدادات الأمريكية والكندية من النفط غير التقليدي، ما أضر بسعر خام غرب تكساس. وفي المقابل ارتفع سعر برنت بسبب المشاكل الجيوسياسية في العالم، خاصة في الشرق الأوسط، ما أدى إلى ارتفاع الفارق بين المؤشرين إلى مستويات تاريخية. فبسبب المشاكل في ليبيا قل إنتاج النفط الخفيف الذي يحتوي على كميات قليلة من الكبريت، فزاد الطلب على هذا النوع من النفط فارتفع سعر برنت؛ لأنه مشابه للخام الليبي في خفته وتدني نسبة الكبريت، هذا إضافة إلى المشاكل الدائمة بين إيران والمجتمع الدولى. ووصل معدل سعر خام غرب تكساس لآخر ثلاثة أشهر من العام المنصرف (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2012) إلى نحو 89 دولارا للبرميل، أما برنت فوصل سعره للفترة نفسها إلى نحو 110 دولارات للبرميل، أي أن الفارق تعدى 20 دولارا لمصلحة برنت على الخام الأمريكي، وهذا ما دعا الكثير إلى التساؤل: هل هذا الفارق مؤقت أم أنها بداية عهد جديد تتغير فيها الأدوار والقواعد؟ وبدا واضحا أن برنت بدأ يأخذ دور المؤشر العالمي للنفط، بينما بدأ مؤشر خام غرب تكساس ينحسر إلى مؤشر محلي أو أمريكي شمالي أي إقليمي. تعتبر أمريكا أكبر مستهلك للنفط في العالم، حيث تستهلك يوميا نحو 18 مليون برميل تستورد معظمها من الخارج. وسيعني الاكتفاء الأمريكي أو الاقتراب منه وجود كميات زائدة في الأسواق العالمية، ما سينعكس على الأسعار. وهى أيضا أكبر مستهلك للغاز في العالم، وأصبحت مكتفية ذاتيا من غازها نظرا لزيادة إنتاجها للغاز الصخري، ويترقب كثير من دول شرق آسيا وأوروبا سماح الحكومة الأمريكية للشركات الأمريكية بتصدير كميات كبيرة من الغاز لشرق آسيا وأوروبا. وتشتري شرق آسيا حاليا الغاز المسال بنحو 17 - 20 دولارا للمليون وحدة حرارية، وهو يباع في أمريكا بنحو 3-4 دولارات. وبدون أدنى شك سيحدث تغيرا تاريخيا في معادلة الغاز العالمية حين تقدم أمريكا على خطوة التصدير، وقد تتضرر دول مثل قطر وأستراليا من هذا التصدير؛ لأن كثيرا من المراقبين يتوقع أن تقوم أمريكا بتصدير نحو 77 مليون طن من الغاز المسال، وهي الكمية نفسها التي تصدرها قطر للعالم. ومن الجدير ذكره أنه في عام 2006 كان الفارق بين أسعار الغاز الأمريكية وأسعار الغاز المسال في كوريا واليابان في حدود خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية وهى قيمة النقل والتسييل. ويقفز حالياً هذا الفارق إلى نحو 15 دولارا للمليون وحدة حرارية بسبب وفرة إنتاج الغاز غير التقليدي في أمريكا. ويبدو أن الصين هى القادم التالي بعد أمريكا في إنتاج الغاز غير التقليدي، إذ أعلنت شركة شل الأسبوع الماضي استثمارها ملياري دولار للتنقيب عن الغاز غير التقليدي في وسط الصين، كما أن شركتي كونوكو فيليبس وتوتال تتطلعان للعب أدوار في غاز الصين الصخري.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها