Author

ابن عثيمين .. يحزننا تجاهلك!

|
الرجل الذي فرغ نفسه للعلم ولا شيء غير العلم، فبات علما بارزا يعرفه معظم الطلاب والباحثين الجادين، وصفه الدكتور عثمان الصيني، رئيس تحرير ''المجلة العربية'' ''بأنه واحد من الشخصيات المدهشة والاستثنائية المتفردة التي لا تشبه أحدا، ولا يمكن مقارنتها بأحد، تدهش من يقابلها في أي مكان وزمان، وليست هناك خزانة مخطوطات أو دار كتب لم يقلب محتوياتها أو يكتشف كنوزها''. إنه الدكتور عبد الله بن سليمان العثيمين القامة العلمية الباسقة وأستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى المنتمي لجيل العلماء المحترمين، جمع بين التحصيل الأكاديمي الرصين والمعرفة الموسوعية العميقة، فبرز عالما فذا تشد إليه الرحال من الداخل والخارج، وتشيد به وتكتب عنه المجلات الأجنبية ويحتفي به المفكرون في الخارج! ''العثيمين'' المتواضع السخي وابن عنيزة، خريج المعهد العلمي بها والذي عاد إليها متقاعدا قبل بضعة أشهر منهكا بفعل المرض والحل والترحال، عالم نادر في زمن نادر أمضى حياته بين الكتب، ومطاردة المخطوطات حتى بات يلقب ''بحجة المخطوطات'' كما وصفه عالم اللغة والتراث المعروف محمود شاكر. لم يكل ''أبو سليمان'' ولم يمل في توثيق رحلاته العلمية بين الرياض ومكة والقاهرة والشارقة وإسطنبول وغيرها مكتشفا ومحققا كنوزا من المخطوطات الثمينة والنادرة التي ظلت منهلا عذبا للباحثين ولطلاب الدراسات العليا من كل مكان، ولولا نباهة العثيمين وتفوقه ونبوغه لظلت كثير من المؤلفات رهينة المستودعات وغبار المكتبات المهجورة. لكن المؤلم لنا ولصاحب السيرة العلمية الشاسعة أنه ما زال مغيبا مجهولا لم تشفع له أكثر من 30 مؤلفا في الأدب والتاريخ والسير والنحو والأنساب مزاحمة بعض من استأثروا بالحضور الإعلامي والجماهيري. تقاعد العثيمين من جامعة أم القرى دون كلمة شكر واحدة وذهب إلى ألمانيا للعلاج على حسابه الخاص لولا تدخل بعض محبيه وطلابه وإشعار الملحق الصحي هناك لتتكفل الدولة بباقي نفقات برنامجه العلاجي. ولم يقتصر تجاهل هذا الرمز على جامعته التي أمضى فيها أكثر من 30 عاما مكتفيا برتبة أستاذ مساعد رافضا التقدم للترقية العلمية المستحقة رغبة أن يكون علمه وأبحاثه لأجل الآخرة وليس لأجل مكسب دنيوي. بل امتد إلى مؤسسات اجتماعية وثقافية متعددة منها، الأندية الأدبية ومعارض الكتب ومهرجان الجنادرية وبقية الجامعات والمؤسسات الإعلامية التي ظل العثيمين زاهدا في التقرب منها باستثناء لقاء تلفزيوني يتيم اقتنصه بصعوبة المذيع النشط في قناة ''دليل'' عبد العزيز القرشي فساد صمت مخجل، ونكران لا يليق يرسخ أزمتنا المستمرة في الاحتفاء بالرموز الثقافية والعلمية. ما كان يليق بجامعة أم القرى وهي تحفل بكوكبة من أهل العلم والأدب أن تتجاهل ابنها البار عبد الله العثيمين وهو الذي أفنى عمره في رحابها عالما ومعلما تخرج على يديه نخبة من الأكاديميين المرموقين والوزراء والمسؤولين المعروفين، وفتح أبواب منزله الجامعي بشكل دوري لاستضافة الباحثين ومحبي العلم والمعرفة، ولم يبخل على أحد بشيء طلبا لما عند الله وليس من أجل وجاهة اجتماعية أو مصالح متبادلة كما ابتلي بها بعض الأكاديميين الجدد. إن أبسط صور تكريم الرجل طباعة مؤلفاته ونشرها، وإقامة ندوة سنوية للاحتفاء بمنجزاته البحثية، أو جائزة تميز بحثي باسمه، وإطلاق اسمه على بعض القاعات أو المكتبات أو أي أفكار أخرى تسهم في تقدير الرجل. ومن خلال هذه المساحة التي لا تفي ''أبا سليمان'' حقه علينا، أدعو ثلة من الرجال الأوفياء ومنهم الأمير متعب عبد الله بحكم مسؤوليته المباشرة عن مهرجان الجنادرية، ووزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، ووزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، ورؤساء الأندية الأدبية وغيرهم من رجالات عنيزة ومكة المكرمة، ليبادروا بتكريم هذا الرمز العلمي والرجل الوطني المخلص بما يليق به ويتناسب ومكانته العلمية الرفيعة.
إنشرها