Author

الثورة النفطية في أمريكا.. هل هي إهمال أم تعمد محسوب؟

|
مستشار اقتصادي
على مدى عدة أشهر يثار في أواسط قطاع الطاقة وخاصة النفط والغاز مدى قدرة أمريكا الشمالية على الاكتفاء الذاتي أو حتى التصدير مع نهاية هذا العقد، فمثلا ذكر تقرير عن الاستخبارات الألمانية أن أمريكا يمكن أن تصبح مُصدرة في عام 2020. هناك خلاف في أوساط فنية واقتصادية حول حقائق النفط من الصخر الصلب والنفط الصخري وهناك اختلاف بينهما، إضافة إلى انخفاض أسعار الغاز وديمومة هذه الأسعار في أمريكا واختلاف تسعيره بين أمريكا وأوروبا وآسيا. هناك ما يكفي من الشواهد أن تغييرا مهما يحدث أمامنا، وقد تكون هناك درجة من المبالغة، فالمكانة الأمريكية دائماً متفوقة تسويقيا، ولكن الموضوع على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لنا من زاويتين، الزاوية الأولى اقتصادية ولها انعكاسات على التسعير وعلى الحصة السوقية (وهنا يجب أن نكون على قدر من الحرص حيث إن أحد الاحتمالات هو أن يحافظ النفط على سعره الاسمي، ولكن يستمر في انخفاض قيمته السعرية قياسا على عروض التجارة الأخرى، ما يسميه الاقتصاديونterms of trade، والأخرى هي البعد الجيواستراتيجي. لعل المتابع يعرف عن التقارير المتكررة حول الطاقة وانعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على اقتصاد المملكة (الاقتصادية تقرير شتهام عدد 6672 وتاريخ 17 يناير 2012). سوف نجد من يطمئننا على أن النفط سلعة ذات سعر واحد عالميا بغض النظر عن المشتريoil is fungible commodity، خاصة أن الطلب العالمي في نمو. ولكن الانطواء تحت هذه الأبواب الخلفية يقول عنا أكثر مما يقول عن التطورات في عالم الصناعة النفطية. للإنكار حالتان، الأولى إما أن يكون محسوبا بمعنى أنه بحكم مركزية الصناعة لدينا وبالتالي معرفتنا وخبرتنا تجعلنا على قدر من الثقة والطمأنينة، وبالتالي ما يقال لا يتعدى أن يكون جعجعة دون طحين، أو الأخرى حيث قد نكون في حالة تخدير متعمد نحاول به تفادي القضايا الحساسة والشائكة لعل الزمن يتعامل معها. في ظل هذه الحالة من احتمالية تطورات اقتصادية جذرية خطيرة والحالة الذهنية والعاطفية السائلة نجد أنفسنا أمام حالة من الاستقطاب ليس فيها مكان للاجتهادات الشخصية والمعلومات الجزئية والتصريحات الإعلامية، إذ لا ينفع معها عدا رأي نابع من مؤسسة فكرية تحليلية وطنية على درجة عالية من الاستقلالية بعيدا عن المؤسسة النفطية والمالية. فرد هؤلاء معروف بأن لدينا ما يكفي من النفط لأجيال، وأن لدينا رصيدا ماليا ضخما يعادل ضعفي الميزانية في ظل أوضاع مالية متردية عالميا. كما أن هناك برامج كبيرة للطاقة البديلة ولكنهم يغفلون إهمالا أو تعمدا أن أول حقيقة لإدارة الطاقة تأتي في المحافظة على ما لديك قبل البحث عن بديل، وليس من طريق المحافظة على ما لدينا، وكقاعدة للإدارة الفاعلة سوى إعادة التسعير اقتصاديا للحد من الإسراف والضياع. هناك محاولات جادة بغرض السيطرة على الاستهلاك من قبل فريق الأمير عبد العزيز بن سلمان لتغير المعايير في التكييف والعزل وجهود أخرى من قبل فريق الأمير فيصل بن تركي، خاصة في الكهرباء ولكن هذه الجهود بطبعها بطيئة ولن تكفي دون تعديل في الأسعار. تلاقي ضعف الإنتاجية في الاقتصاد مع الإسراف في مصدرنا الأوحد لتمويل الميزانية يحكي عنا الكثير، ولن تنفعنا أو تضرنا التقارير العالمية أو حالة الانكفاء عن مواجهة الواقع. ما يهمنا هو الوقوف على الحقيقة والتعامل معها بأمانة فكرية ومشروع وطني مستقبلي، وإذا لم تتوافر الأمانة الفكرية لدى المختصين لدينا فعلينا استيرادها من الخارج كحل مؤقت.
إنشرها