Author

«أرامكو» وشركات الأسمنت .. والشوط الإضافي!

|
الشفافية مفهوم لا يمكن تجزئته ولا يمكن تحققه إلا باكتمال عرض كل الأوجه المعلوماتية المتعلقة بأي شأن كان، للوصول إلى أفضل المستويات الإيجابية من ناحية النمو العام وتحقيق مبدأ العدالة، وتحوطا لعدم الانزلاق في متاهات التشتت والضبابية والسلبية وعدم الانضباط بفقدانه. وهذا المفهوم ساعدت الأنظمة العالمية والتطبيقات الداخلية للدول على تفعيله - بدرجات متفاوتة - وكان للإعلام الدور الأبرز في ذلك. ارتفاع أسعار الأسمنت في السوق الداخلية مشكلة تتكرر كثيرا، خصوصا في الفترة الماضية القريبة، ولا يحتاج الأمر إلى التبحر في تراميات هذا الأمر وسلبياته (على القطاعين العام والخاص)، وما تصاحبه من زيادة التكلفة المالية والوقتية على المواطن، ناهيك عن تأثر عملية التنمية في البلد ككل. سعر كيس الأسمنت في ''السوق'' قفز خلال الأيام القريبة من 14 إلى 25 ريالا، وطن الأسمنت من 250 إلى 400 ريال، علما بأن الأسعار المحددة من قبل وزارة التجارة هي 12 ريالا لكيس الأسمنت العادي و13 ريالا للمقاوم. رؤساء لجان المقاولين في غرفة الرياض وجدة يذكرون مرارا أنه يجب عدم وضع اللوم على المقاولين في تأخر تنفيذ المشاريع، بل إنهم قد يتحملون غرامات جزائية نتيجة لذلك، ويعزون المشكلة الرئيسة المتكررة إلى ارتفاع أسعار الأسمنت في السوق المحلية ''مثلما تمت إفادتهم من قبل لجنة الأسمنت''، إلى نقص إمداد الوقود الخاص بتشغيل مصانع الأسمنت بالطاقة الكلية من قبل المزود، ما يؤدي إلى تقلص الكميات المنتجة، وبالتالي شحها في السوق، ومن ثم زيادة أسعارها سوقيا نتيجة لتغلب عملية الطلب على العرض بصورة فارقة. وسمعنا أن هناك بعض الحالات تقوم بمحاولة احتكار المعروض ثم تكديسه لإنقاص العرض في السوق للاستفادة لاحقا من فارق الأسعار نتيجة لتغلب عامل الطلب. إذن رؤية وادعاء رؤساء لجان المقاولين ومن خلفهم شركات الأسمنت حول أسباب ارتفاع أسعار الأسمنت في السوق واضحة، وبالطبع الجهة التي يعنونها بالتقصير في إمداد الوقود هي شركة أرامكو، وأيضا تقف معها وزارة البترول والثروة المعدنية على الخط بشكل أو آخر. وفي سياق لقائهم الإعلامي ذاته، الذي قد يفهم منه تعزيز وجهة نظرهم، ذكر أن وزير التجارة أفاد ''بأنه في أيار (مايو) سيتم استكمال توفير وإيصال الوقود اللازم لجميع شركات الأسمنت التي طلبت إمدادها بكميات وقود ''إضافية'' لتشغيل بعض خطوط إنتاجها الجديدة، والأخرى التي توقفت نتيجة عدم توفير ما تحتاج إليه من وقود''. الفقرة الأخيرة بين القوسين تشير كما يفهم إلى أن هناك بعض خطوط الإنتاج فعليا كانت تعمل مسبقا إلا أنها توقفت نتيجة لعدم حصولها على الوقود، السؤال هنا: لماذا لم يتم ذكر وإظهار الاتفاقيات التي أبرمت بين الطرفين من قبل المتضرر، ومن ثم تعويضه عن الأضرار، خصوصا إن كانت أغلبية شركات الأسمنت في الأساس شركات مساهمة عامة تخص المواطنين؟ أما الجزئية الخاصة بإمداد الوقود لخطوط الإنتاج الجديدة للشركات التي تعتمد لتشغيل مصانعها على الوقود، فهنا يطرح سؤال آخر: كيف يتم التوجه لاعتماد خطوط إنتاج جديدة من قبل الشركات قبل الحصول أساسا على الموافقة من قبل الجهات المعنية المزودة للوقود؟ هذا الأمر يجب أن يتم تداركه بين الوزارات (البترول – التجارة)، لا بد أن يكون هناك تنسيق فيما بينها وترتيب الأولويات حسب احتياجات البلد التنموية. نعود للطرف الثاني ''أرامكو'' الذي وضع في محيط متكرر كونه المتسبب الرئيس في ارتفاع أسعار الأسمنت في السوق. فقد جاء إعلانهم مقتضبا ''وساخنا''، لينفي (وهي ليست المرة الأولى) تبرير الطرف الأول بكون ''أرامكو'' قد قصرت في إمداد مصانع الأسمنت بالوقود، حيث ذكر أن الوقود الممنوح لمصانع الأسمنت يكفي لإنتاج 57 مليون طن من الأسمنت سنويا بينما إنتاج القطاع لم يتجاوز 52 مليون طن سنويا! بما يعني وجود فائض من الوقود غير مستقل من قبل شركات الأسمنت يكفي لإنتاج خمسة ملايين طن إضافي من الأسمنت. بل إن شركة أرامكو أوضحت أن من العوامل الأساسية التي أسهمت في الإخلال بأسعار الأسمنت سوقيا في الآونة الأخيرة هي قيام بعض شركات الأسمنت ببيع كميات كبيرة من الأسمنت في صورة الأسمنت السائب للشركات الكبرى! وبيع الأسمنت المكيس المتعلق باحتياج المواطن بكميات أقل نسبة للتخفيف على تكاليفها التشغيلية. (سبق أن صرحت ''أرامكو'' في هذا المضمار بأن طريقة نقل الوقود للشركات المستفيدة كانت إحدى المشكلات، وهذا الأمر لا يعنيها، إضافة إلى بروز مشكلة قبل أيام بين شركة الكهرباء وناقلي الوقود تتعلق بنقص الوقود المنقول لها من ''أرامكو''). إذن من باب الشفافية والمصداقية أمام الجميع ليعرف من كان المتسبب في الإخلال بأسعار الأسمنت في السوق طوال الفترات الماضية، خصوصا أننا سمعنا جولتين: ادعاء الطرف الأول ورد الطرف الثاني، يستوجب أن نقرأ تعقيبا من الطرف الأول ''كشوط إضافي'' على ما ورد في إعلان شركة أرامكو، فهي خلاف أنها ''نسفت'' ادعاءه جملة وتفصيلا، وثقت حديثها بالأرقام، وعلى الطرف الآخر الرد بالمثل ''بالأرقام والوثائق''، لأن التغاضي عن هذا الأمر يعني الموافقة، ويعني أكثر أن ما قيل مسبقا في حق ''أرامكو'' ولسنوات ليس في محله، وليعرف المواطن بعدها أين موقعه من هذه التجاذبات، التي قد تتكرر في القطاع ذاته أو قطاعات أخرى '' لكيلا يضيع وسطها كالعادة .. فلم يعد جيبه يتحمل كالسابق تكرار مقولة عفا الله عما سلف!
إنشرها