Author

أحدث اكتشاف طبي.. الأطباء المزورون أكفأ من المؤهلين

|
استبعد الأمين العام للهيئة السعودية للتخصصات الصحية - في حوار مطول مع صحيفة ''الوطن'' السعودية مطلع هذا الأسبوع - استبعد بشدة أي ربط بين التزوير والأخطاء الطبية، كاشفا سعادته أن الأخطاء الطبية تحدث من قبل أطباء حقيقيين ''شهاداتهم صحيحة'' في حين أن كثيرا من الذين ثبت تزويرهم لمؤهلاتهم لا توجد عليهم أخطاء طبية. من هذا التصريح يمكن أن نستشف أمورا عدة، منها أن «الصحة» تعترف بأن بين منسوبيها من يحمل مؤهلات مزورة في الطب والجراحة وغيرها وبهذا فهم (المزورون) يمارسون العمل الطبي بتصريح مبطن من الوزارة، وهي بالفعل راضية عن أدائهم، وهذا لا يمثل للوزارة أدنى مشكلة، فالمشكلة في نظرها تكمن في أولئك الذين لديهم مؤهلات حقيقية، أما المزورون ومن تسللوا إلى هذه المهنة في غفلة من الزمن فهم مبرؤون مما ينسب إليهم من أخطاء وتجاوزات. ونحن نقول: طالما أن هيئة التخصصات الصحية مقتنعة بأداء أصحاب المؤهلات المزورة وتبرّئ ساحتهم من الأخطاء الطبية فما وظيفتها إذاً؟ لماذا تقف بالمرصاد لكل من أراد أن يعمل في المجال الصحي وتجبره على أن يقدم اختبار التخصصات الطبية طالما أن أصحاب المؤهلات المزورة يؤدون المهنة الطبية ببراعة؟ كما أن مثل هذا البيان (وإن من البيان لسحرا) يطمئن الناس بجودة أصحاب المؤهلات المزورة، ولسان الحال يقول: إن المزورين أفضل بكثير من أولئك الذين يحملون مؤهلات صحيحة، وهذا يدفعنا إلى أن نطلب من وزارة الصحة أن تنشر لنا أسماء وعناوين أصحاب المؤهلات الطبية المزورة حتى نحجز مواعيدنا وننظم أوقاتنا، كي نظفر منهم بلمسة تشفي العليل كأنما هي زمزم. وأرى أن مثل هذه الحقيقة التي توصّلت إليها هيئة التخصصات الصحية تعد اكتشافا علميا خطيرا، وهي بالفعل سابقة في مجال الطب وصرخة مدوية لم يعرفها العالم من قبل ولا أظنه سيتوصل إليها أحد من بعيد أن الذين يحملون مؤهلات مزورة هم الأكفأ وهم الأجدر وهم الأحق بمهنة الطب وشفاء الناس. ولا يفوتنا أن نذكر الهيئة بتثبيت اكتشافها هذا قبل أن يسبقها إليه أحد، وعليها أن توثقه كبراءة اختراع وأن ينشر في مجلة علمية محكمة ويرشح صاحبه لنيل جائزة نوبل للطب وبهذا سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه. كما أن هذا الاكتشاف الخطير يجعلنا نعيد النظر في كثير من أمورنا فنوجه أبناءنا وبناتنا ونغير مسارهم من الحصول على مؤهلات صحيحة موثقة ومن مؤسسات أكاديمية راقية إلى إتقان أداة التزوير والتسلل من الأبواب الخلفية للظفر بالعمل في وزارة الصحة بدلا من التعب والنصب والسهر في تلقي العلم والرحيل شرق العالم وغربه لصقل التجربة واكتساب الخبرة وجلب التقنية الطبية، كما أن هذا الاكتشاف سيوفر على الدولة مليارات الريالات التي كانت تبذل من قبل في التعليم الطبي وما يتبعه من تدريب وابتعاث ونشر أبحاث، فالأمر أصبح ميسورا فقط مؤهلات مزورة تدخلك وزارة الصحة بل تجعلك في المقدمة. نقول لهيئة التخصصات الصحية: إننا لم نطلب منكم الحديث، ولم نطلب منكم التعليق، ولم نطلب منكم التبرير، وإنني أتساءل: كيف تزجون بأنفسكم وتدخلون منظمتكم في هذا النفق؟ إن الحديث في وسائل الإعلام مهارة لا يجيدها الكثيرون، فإذا لم يطلب من المسؤول ذلك فليلزم الصمت، فهذا خير من نشر الأقاويل، وإن تحدَّث فبموضوعية وبثمن، وإن لم يستطع أن يكون على مستوى الحدث فليوكل هذه المهمة لمن يجيدها. إذا كان الهدف من هذا التصريح إيجاد تبرير للإخفاقات المتتالية لوزارة الصحة فإننا نقول لهم: إننا كمواطنين نعرف إخفاقات وزارة الصحة وأسبابها أكثر ممن هم بداخلها، فكل مرافق الدولة ومؤسساتها تستطيع أن تختبئ عن المواطن وتستر سوأتها إلا الصحة لا تستطيع إلى ذلك سبيلا، لأن الكل يتلقى الخدمة الطبية منذ ولادته حتى وفاته، ليس هذا فحسب، بل يحتاج إلى هذه الخدمة لزوجه وأبنائه وكل من يعول، وبهذا فلدى المواطن مقدرة ليس فقط على تقييم أداء الصحة، بل بملاحظة أي تطور أو انحراف أو نهوض أو أفول، لذا نطلب من منسوبي وزارة الصحة ألا ينطقوا إلا بما يعلمون، وإن نطقوا فليحترموا عقول من يسمعون، فليس من الحكمة الجمع بين سوء الخدمة وقلة المعرفة. كنا ننتظر من وزارة الصحة أن تحاسب أصحاب الأخطاء الطبية المتلاحقة وتبين لنا العجز التعبوي ونقص الإمكانات في أزمنة فاضت فيها الميزانيات، ولا أدري ما الذي يمنعها من أن تكشف للمواطنين تحدياتها ومعوقات أداء أعمالها، وما يواجهها من صعوبات وتحديات وتشرح للناس ذلك بكل وضوح دون الحاجة إلى تبرير ركيك أو استنتاجات خرقاء. نحن كمواطنين نعلم أن معضلة وزارة الصحة ليست فنية أو نقصا في الموارد المالية أو البشرية، فمشكلتها الأزلية مشكلة إدارية بحتة، فالوزارة شبه خالية من الكفاءات الإدارية المؤهلة، وهناك بالفعل إخفاق إداري ذريع، وفشل تنظيمي عميق، وجهل تخطيطي مطبق، وقامت وزارة الصحة خلال العقود الماضية بأكبر عملية تدمير للموارد البشرية الوطنية المؤهلة عندما أقدمت على توزيع الكفاءات الطبية المتميزة التي يصعب تعويضها على المواقع القيادية حتى ألفوها وألفتهم، ومع مر السنين تقادمت خبراتهم وتلاشت طموحاتهم، وصرفوا النظر عن إنتاج المعرفة واكتساب الخبرة إلى أداء المهام الإدارية وأعمال السكرتارية والتصوير أمام الكاميرات، فضيعوا هذا المرفق الحيوي المهم. نريد أن نخلص فنقول: إن وزارة الصحة تحتاج إلى خبرات إدارية ومؤهلات تنظيمية ومقدرة على التفكير الاستراتيجي والبعد التخطيطي، وهذه مهارات يجهلها كثير من قيادات الوزارة، لأن جلهم أطباء وفنيون، وهذه المصطلحات دخيلة عليهم ولا يعلمون كيف تعمل، وبهذا نستطيع أن نختم فنقول: إن سبب تدهور أداء الصحة هم أطباؤها المميزون، والدليل بين أيدينا، فهم يرون أن أصحاب المؤهلات المزورة أكفأ من أولئك الذين يعملون في النور.
إنشرها