Author

أنا أكثر منك مالا

|
قد تلتمس العذر لإنسان محتاج عندما يلجأ للسرقة أو الرشوة. لكن ما عذر من لديه من الملاءة المالية ما يكفيه ويكفي ورثته لعشرات السنين؟! الذي قال إن الكفن لا يوجد فيه جيوب، كان يومئ في هذه الإشارة إلى حقيقة تتوارى عن الأذهان. عندها تصبح للفاسد نوافذ وأبواب وأجنحة. بل تصبح له سياط تضرب بقسوة وصلف من يحاول أن يقترب من عش الدبابير. هذه ليست مسألة عارضة، إذ هي أمثولة ملازمة للصراع بين ثنائية الخير والشر. وعندما يأتي الحديث عن قارون في القرآن الكريم، تجد أنه وصل في مرحلة من مراحل تورمه إلى درجة أنه لم يعد قادرا عن التوقف عن كنز المال وجمعه، وصار هذا المال محفزا له لممارسة مزيد من الجبروت، الذي انتهى به إلى أن توارى تاركا المال والكنوز. والغريب أن دلالة هذه القصة، سرعان ما غابت من أذهان الناس، فعاد القرآن للتذكير بها. بالضبط كما هو حال صاحب الجنتين في سورة الكهف التي يفترض أن يقرأها المسلم يوم الجمعة من كل أسبوع. وفي قصة صاحب الجنتين، تظهر صورة صلف المال وبذخه وضجيجه من خلال قوله: أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا. هنا يأتي كسر هذا الصلف، وتتوارى القوة، وتبقى حقيقته الإنسانية الضعيفة. ونحن يوميا نشهد مثل هذه النهايات: أناس يعتقدون دوما أنهم مخلدون، وسرعان ما يتوارون عن المشهد إما موتا أو سجنا أو تشريدا وذلا. إن النأي عن الفساد، يبدأ باستحضار حقيقة أن معدة الإنسان لا يمكنها أن تحتمل طعاما أكبر من طاقتها، وكذلك الأمر في كنز المال، خاصة ذلك الذي يأتي من مصدر ملوث سواء بالسرقة أو الرشوة أو غسيل الأموال...إلخ. لقد حاولت التشريعات السماوية والتنظيمات الدولية المعاصرة أن تنتصر للشفافية، لكن يد الفساد الإنساني تبقى أقوى وأطول، لأن طبقات كثيرة في مجتمعات كثيرة في العالم الثالث ـ مثلا ـ تمارس فسادا بأشكال مختلفة، وبالتالي فالأمر يتحول إلى مقايضة بين فساد في مقابل فساد. إن واحدا من أسوأ مظاهر الفساد، تهرب الغني من دفع زكاة ماله، الأمر الذي يجعل الفجوة بين الغني والفقير تتسع، وتسود لغة: أنا أكثر منك مالا.
إنشرها