Author

الإبقاء على أسعار الغاز الحالية «أضعف الإيمان» لدعم قطاع البتروكيماويات

|
(ينام عميقاً من لا يملك ما يخاف من فقدانه).. حكمة عربية. حتى لا نصحو في يوم وقد "تبخر الغاز" علينا أن نضع هذه الحكمة نصب أعيننا، ذلك أننا في المملكة والخليج أمام تطورات متسارعة فيما يختص بالغاز الطبيعي، ويتطلب ذلك إعادة النظر في سياساتنا الحالية وبناء استراتيجيات جديدة تواكب ما يشهده العالم من "بدائل" قد تحيل كبار المستهلكين الحاليين إلى مصدرين منافسين. وإذا كانت الخريطة العالمية للغاز تتغير بوتيرة متسارعة فعلينا أيضاً التغير بالوتيرة نفسها حتى لا يفرض التغيير "القادم" معطياته الجديدة علينا بقوة الأمر الواقع. لقد ظل كبار المستهلكين في العالم وعلى رأسهم أمريكا، ينحتون الصخر حتى أصبح حلم "الغاز الصخري" حقيقة، وعمل هؤلاء سنوات طويلة بحثاً عن حلول مستدامة للطاقة. وانتهى "حمى الغاز" في أمريكا أخيراً بتغير دراماتيكي في المشهد المألوف (والذي ساد لعقود طويلة)، من أول مؤشراته نمو إمدادات الغاز خلال السنوات الخمس الماضية بمعدلات غير مسبوقة بلغت 20 في المائة في المتوسط. كما بلغ حجم الإنتاج الأمريكي في عام 2010م نحو 4.87 تريليون قدم مكعبة، أي ما نسبته 23 في المائة من إجمالي استهلاك السوق الأمريكية من الغاز الذي بلغ 22.8 تريليون قدم مكعبة خلال العام نفسه. بعد سنوات من العمل الدؤوب لإيجاد حلول مستدامة للطاقة، وجدت أمريكا - أكبر مستهلك للطاقة في العالم - على ما يبدو ضالتها بامتياز، وتكللت جهودها بالنجاح في استخراج الغاز غير المستخدم بهذه الصخور لمصلحة تحقيق التطور لصناعاتها والنمو لاقتصادها. ونتيجة لذلك سيصبح اقتصادها أقل اعتماداً على الخارج، فضلاً عن إمكانية القضاء على أكبر "عدو" لها وهو البطالة من خلال خلق فرص وظيفية جديدة. فهذا التطور يخلق لها ابتداءً 170 ألف وظيفة جديدة في قطاع الكيماويات، و395 ألف وظيفة أخرى في القطاعات ذات الصلة بالكيماويات، وكلما زاد الإنتاج ازدادت الفرص الوظيفية وستكون أمريكا في وضع أفضل بمواردها الذاتية. وهذا تطور يجب ألا نتجاهل أهميته لنا كمنتجين ومصدرين. وفيما ظل قطاع الصناعة التحويلية الأمريكي يعتمد على الإيثان (الغاز الطبيعي السائل) كمادة أولية تستخدم في إقامة 96 في المائة من الإنشاءات في قطاع التشييد، فإن الغاز الصخري سيزيد إمداد الإيثان 25 في المائة. ونتيجة لذلك تشهد الولايات المتحدة حالياً ثلاثة تطورات مهمة على النحو التالي:- 1- مصانع واستثمارات جديدة، حيث يعلن العديد من قادة الصناعة عن إنشاء مرافق جديدة لإنتاج الإثيلين، مع إمكانية التوسع في المنشآت الحالية، وإعادة فتح المنشآت القديمة، إلى جانب ضخ استثمارات جديدة في القطاع لتبلغ الطاقة الإنتاجية الجديدة أكثر من عشرة ملايين طن إثيلين قبل حلول 1015. 2- زيادة الصادرات، حيث تشهد الصادرات الأمريكية ارتفاعاً ملحوظاً مع تحسن القدرة التنافسية للمنتجات نتيجة لزخم الغاز الصخري، فيما تشير التقارير إلى ارتفاع صادرات الصناعات الكيماوية 34 في المائة العام الماضي. 3- تعزيز أمن الطاقة، ذلك أن زيادة إنتاج الغاز الصخري يساعد على توافر مصادر طاقة آمنة ومستدامة لأمريكا. أمريكا التي تحقق لنفسها كل ذلك، بفضل اكتشافها تقنيات جديدة، تجعل المصدرين الحاليين للغاز في مهب الريح، ما لم يبدعوا وسائل وآليات جديدة تعزز تنافسيتهم، وتؤكد قدرتهم على خلق أسواق جديدة وبديلة. فهؤلاء - والمملكة في مقدمتهم - في حاجة ماسة لامتصاص صدمة "الغاز الصخري" والتحلي بالصمود لفترة قادمة في مواجهة "الصخر" حتى تتضح الرؤية النهائية بشأن ذلك وبشأن كل ما يتعلق بالجوانب السلبية لها على صعيد البيئة وصحة الإنسان. إن العديد من الدول المستوردة للغاز مرشحة للتحول إلى دول منتجة، وبعضها قد يصبح دولاً مصدرة له في المستقبل المنظور، ووفقا لتقرير حديث لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن الغاز الصخري سيشكل بحلول عام 2035م نحو 62 في المائة من إجمالي إنتاج الصين من الغاز، و50 في المائة من إجمالي إنتاج أستراليا، و46 في المائة من إجمالي الإنتاج الأمريكي. وبالظن إن كل هذا يكفي لكي نتحسس كمنتجين ومصدرين للغاز موقعنا الآني والمستقبلي على خريطة هذا القطاع الذي يشكل أهمية قصوى بالنسبة لنا ولقطاعاتنا الاقتصادية، لحماية ميزتنا التنافسية أولاً، وللمحافظة على المكاسب المتحققة ثانياً، فضلاً عن العمل بكل الوسائل المتاحة للبقاء ضمن منظومة النفط والغاز، وضمن قائمة المنتجين والمصدرين الرئيسين لها. فهل ينام المصدرون قريري العين في ظل هذه التطورات؟ إن علينا ألا نخسر سباق النفط والغاز وعلينا التشبث بالبقاء في مقدمة المشهد الاقتصادي العالمي لأطول فترة ممكنة، كعناصر فاعلة وقادرة على مواكبة التغيرات المتسارعة والتكيف معها، ذلك نظراً لأهمية النفط والغاز ومكانتهما الاستراتيجية لبلادنا حيث تقوم عليهما صناعات مهمة. ومن ذلك قطاع البتروكيماويات، حيث يقدر معدل مساهماته المباشرة وغير المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2003م إلى 2009م على سبيل المثال بنحو 64 مليار ريال سعودي سنوياً. كما يقدر مساهمته للفترة الممتدة بين عامي 2010م إلى 2015م، بنحو 128 مليار ريال (34 مليار دولار). وتعد منظومة صناعة البتروكيماويات إحدى الدعامات الأساسية في تنمية الاقتصاد الوطني والمجتمع بشكل عام. حيث تسهم هذه الصناعة بنحو 296 مليار ريال سعودي (79 مليار دولار) كإيرادات تعزز الاقتصاد. كما تسهم في توظيف 30 ألف عامل، إضافة إلى 150 ألف وظيفة إضافية في الصناعات المرتبطة بها، وبنسب سعودة عالية. وتسهم هذه الصناعة في تنويع الاقتصاد الوطني، وتجذب كماً كبيراً من الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلاً عن إنشاء مراكز متخصصة توفر فرص التدريب والتطوير للكوادر السعودية الناشئة. وتستحوذ بلادنا على احتياطيات ضخمة من كل أنواع الغاز، غير أن نصف احتياطاتها الحالية من الغاز الطبيعي والبالغة 283 تريليون قدم مكعبة تعتبر من الغاز المصاحب للبترول، فيما تتوافر لدينا فرص كبيرة لاستكشاف مكامن الغاز الطبيعي غير المصاحب للنفط لتعظيم فائدته كوقود مفضل لدى المستهلكين للإفادة وتعزيز التنافسية من صداقته للبيئة. وبفضل من الله عز وجل فإن أراضي المملكة تحتوي - وفقاً للمعلومات المتاحة - على احتياطات مقدرة للغاز الصخري ربما تزيد على 645 تريليون قدم مكعبة. ويُعد توفير الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال بصورة منافسة أمراً جوهرياً بالنسبة لوجود ونمو الصناعة البتروكيماوية ـ بوصفهما مواد خام (لقيم) ومدخلات لمرافق التصنيع الأساسية التي تتطلبها هذه الصناعة ـ وبخاصةً لعمليات التسخين والطاقة الكهربائية والمياه. نحن في حاجة ماسة إلى تحقيق أقصى استغلال ممكن للاحتياطيات الضخمة المتوافرة لدينا سواء من ناحية التصدير أو لجهة ضخه للمستثمرين بأسعار مشجعة. إن ما نشاهده على الصعيد العالمي يجعلنا نؤكد دعمنا للعديد من الأصوات التي تطالب بالحفاظ على مستويات أقل للغاز السعودي لأن من شأن ذلك الإبقاء على زخم الطلب الخارجي على منتجنا، كما يعطي دفعة قوية للزبائن المحليين لالتقاط الأنفاس وتعزيز القاعدة الصناعية المعتمدة على اللقيم في الداخل. ومع ذلك نقول إن حكومتنا الرشيدة - حفظها الله - ستظل كعهدنا بها، حريصة على مصالح الوطن والمواطن في كل خطوة تخطوها، فالدولة قدمت جهوداَ مضنية في المفاوضات المتعلقة بمتطلبات الانضمام لمنظمة التجارة وقدمت في ذلك العديد من التضحيات. وتنازلت المملكة في إطار التزاماتها التي تخص الجمارك المترتبة على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية عن الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات وغيرها من 20 في المائة إلى 5 في المائة للحفاظ على أسعار الغاز وحماية صناعه البتر وكيماويات، لنأتي اليوم ونلغي هذه المكاسب! ونحن نرى أن قطاع البتروكيماويات المحلي بحاجة إلى التأقلم مع التطورات الجديدة وهو بحاجة إلى كسب المزيد من الوقت للقيام بقراءة عميقة للاكتشافات الجديدة ومعرفة مدى قدرة الغاز الصخري على منافسة الغاز التقليدي. كما أن أية زيادة في الأسعار المحلية لـ "اللقيم" ستؤدي إلى الحد من القدرة على الاستثمار في هذه الصناعة، سواء من قبل الشركات الحالية أو الشركات الجديدة في القطاع الخاص التي تسعى إلى ضخ استثمارات جديدة في قطاع البتروكيماويات. فنحن معنيون على الأقل بالإبقاء على مستويات التسعير الحالية، إذا لم نكن راغبين في خفض الأسعار، ومعنيون بالبحث عن أفكار جديدة تدعم هذا القطاع المهم الذي ظللنا نراهن عليه وما زلنا، لتنويع الاقتصاد ولخلق فرص عمل جديدة. وحتى لا "نصطدم" بالصخر، نرى أن الوقت غير ملائم الآن لفرض أية زيادات في أسعار الغاز لأن من شأن ذلك "تأزيم" الأوضاع وإضافة عوامل أخرى للمشهد الحالي، من شأنها أن تكبح نمو قطاع البتروكيماويات. وعلى العكس من ذلك نرى أن المطلوب هو العمل على استقرار وأمن إمدادات الغاز وأسعاره، وحتى لا يحدث ذلك، علينا أيضاً ألا ننام عميقاً لأن لدينا ما نخشى فقدانه لو فعلنا ذلك! وإلى جانب ما سبق، فهل نحن مستعدون للتخلي عن الخيار الأفضل بالنسبة للاستثمار في الصناعة؟ وعن توطين وخلق وظائف جديدة؟ وعن تحقيق عوائد سنوية للمواطنين من خلال الاستثمار في سوق الأسهم السعودي؟. الجواب عن السؤال الأخير نجده في البحرين حيث ألقى قرار رفع أسعار الغاز 50 في المائة في نيسان (أبريل) 2011م بظلاله القاتمة مباشرة على أسهم شركة الغاز البحرينية (ألبا) التي سجلت انخفاضاً حاداً هبوطاً من دينار واحد للسهم إلى من 50 فلسا للسهم في غضون ستة أشهر بانخفاض نسبته 50 في المائة، وما زال السهم يتأرجح في مستوى دون الـ 45 فلساً حتى الآن، مكبدا المستثمرين خسائر فادحة.. فهل نريد تكرار المشهد في سوق الأسهم السعودية؟
إنشرها