Author

يسألونك عن الاتحاد؟

|
تنقسم آراء الاتحاديين تجاه فريقهم العريق إلى أقسام متنازعة في حب الأصفر العريق وأخرى متنازعة في حب من يحب الاتحاد، ولا يمكن أن يتحد كل المتنازعين خلف الاتحاد ما لم ينصهروا كلهم في حبه، أو يسوق لهم القدر رجلا كاريزميا يوحد الصفوف كما كان مؤسس الاتحاد الحديث الراحل عبد الفتاح ناظر، أو مؤسس تاريخه الذهبي منصور البلوي، وهذان رجلان قلّ أن يجود بهما الزمن, فماذا يفعل الاتحاديون؟ يذهب بعض الاتحاديين إلى المناداة، بتجديد الفريق، وهي دعوة بدأها شرفي النادي الأمير خالد بن فهد، ولقي معارضة عنيفة ثم اختفى بعدها، ويذهب اتحاديون آخرون إلى أن العميد تعوّد على الحياة الفخمة ولا يستطيع العيش على فتات مشاريع ضعيفة كمطاعم الشاورما، في إشارة إلى أن العميد ينقصه المال، الفريق الثالث وهو الذي تغلبه العاطفة ويتنازعه حنين الذكريات، يريدون منصور البلوي فقط، ويتوعدون بعودة الإتي إن حل الملياردير الشهير وسط مضاربه مجددا. أما قادة الاتحاد الحاليون، الذين خرجوا من مجموعة المستقبل، فيراهنون على الزمن والعمل والصبر، ويسير بطلائعهم المتحمسان الشابان عادل جمجوم ولؤي قزاز، وهما أهل للثقة، لكن العشاق في كل مكان تسيرهم العاطفة لا العقل، فلا تطلب الصبر ممن يؤرقه السهر. صالح باعاصم، صديق عزيز يعشق الاتحاد من رأسه حتى أخُمْص قدميه، لا يتأخر دائما في دعوتي لمشاهدة مباريات العميد إلى جواره، ويبدأ في كل مرة تسميع ما يحفظه عن الاتحاد على مسامعي، أحب الاتحاد وهو ابن السادسة، يقول: كنت أخرج من المدرسة في اليوم الذي يلعب فيه الاتحاد، ولا أفكر في أي شيء غير الذهاب مع أصدقائي لمشاهدة معشوقنا الكبير، وحينما يظهر لي العشب الأخضر ولاعبو الأصفر يجرون عمليات الإحماء أشعر براحة كبيرة وأتنفس بطمأنينة. تلتمع عيناه شوقا لجدّة وأزقتها القديمة وهو الذي يقيم منذ خمس سنوات في الشارقة الإماراتية يدير محاله في تجارة الملابس، ويكمل: هذا الاتحاد يعرف عني من الأسرار ما لا يعرفه أحد آخر على هذه الأرض، يعرف كم بكيت من مرة ألما لألمه، وكم احتفلت فرحا لفرحه، ويتابع: لقد شاركني الأصفر المهيب كل شيء في حياتي، حتى مؤسستي التجارية الصغيرة سميتها باسمه. قلت له: متى وكيف أحببت الاتحاد؟ قال وأسنانه الملونة تتصدر المشهد: منذ أن عرفت الدنيا وكل ما حولي ينبض بحبه، ويكمل: في الحي الذي سكنته في جدة يبدو أنهم يرضعون أبناءهم شيئا من هذا الأصفر، لقد كان من يخالفنا عشقه منبوذا من حيّنا ذي البيوت المتراصة حد الاختناق. ينحدر صالح من أسرة تورّث لأبنائها جينات التجارة فلا يعرفون مهنة غيرها، ورغم شغفه الكبير بالتجارة وشطارته ومهاراته الواضحة فيها، ونمو أعماله بين تركيا وتايلاند والهند والشارقة، إلا أن حب العميد يسير في دمائه كالأوكسجين، لا يستطيع أن يتحلل من أسره. قلت له: يا صالح ما العمل والاتحاد يئن تحت قسوة أبنائه؟ قال وهو ينفث دخان شيشته حتى اختفى وجهه تحت سحابة بيضاء: للاتحاد رب يحميه، وقلوب تنبض به، وألسنة تلهج بالدعاء له. قلت: ثم ماذا؟ فالدعاء بلا عمل تواكل لا اتكال. قال: الاتحاد يا صديقي ليس فريق كرة قدم فقط لعشاقه، إنه ترياق حياة، وانتماء، ومؤسسة اجتماعية تتغلغل في كل شؤون حياتهم، الاتحاد يا صديقي على اسمه وحّد قلوب هؤلاء البسطاء الذين ينظرون إلى وجوده وجودا لهم ولا أبالغ. قلت: ثم ماذا؟ هذا حديث عاشق مغرم لا عامل نشط. قال: لست قلقا، طوال تاريخنا، والاتحاد أجيال تسلم الرايات أجيالا، نخبو ثم نظهر لنتسيد المشهد. امتص كل هواء الغرفة حتى تعاظمت حُمرَةَ الجمر فوق رأس شيشته وقال: نحن نسلم الرايات الآن لجيل جديد فانتظر، التاريخ يقول ما أقول.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها