Author

نحتاج إلى علاج سلوكي

|
البهجة والحبور اللذان ظهرا على زوار وزائرات معرض الكتاب الدولي للكتاب، لا يمكن أن تخطئهما العين. هذا الأمر انعكس على الناشرين، الذين أصابتهم البرودة في المعارض العربية الأخرى، ولكن أحدهم قال الخميس الماضي لفيديو "الاقتصادية الإلكترونية"، إنه وزملاؤه لا يجدون فرصة للجلوس من كثرة الزوار. مشهد لا تراه إلا في الرياض. والصورة خارج الأرض تعكس هذا التدافع من أجل الوصول إلى المعرض، وبالتالي لن يفوتك منظر الزحام المنظم وغير المنظم للسيارات والبشر. هذا التضاد بين الزحامين، الزحام على اقتناء الكتب وبقية أوعية الثقافة، والتزاحم بل التكدس والتجاوزات المرورية خارج أسوار المعرض، تثير السؤال الأهم: ما نفع القراءة والثقافة إن لم تتحول إلى سلوك؟ من المؤكد أن من يرتكبون تجاوزات مرورية، بجوار معرض الكتاب، ليسوا من كوكب آخر، هم أنفسهم الجمهور المثقف الذي يأخذ الوصايا بالحصول على هذا الكتاب أو ذاك، وهو ذاته الذي يلتقط الصور داخل ردهات المعرض ويعرض الإهداءات التي كتبها له هذا المؤلف أو ذاك، ليتباهى بها عبر "واتس أب" أو "تويتر". صورة مغرقة في مثاليتها وفي إضاءتها. لكنه ما أن يمتطي سيارته حتى يتبدل سلوكه، ويتقمص شخصية الفارس المغوار الذي لم ولن يسمح لأحد أن يتجاوزه، ولن يتلطف مع عابر سارح، وسيحاول جاهدا أن يسابق الآخرين لتجاوز الإشارة، وسيصيبه الغضب إن أضاء اللون الأحمر وتوقف لها السائق الذي أمامه. تناقضات تجعل سؤال: ما نفع الثقافة؟ يبدو حادا، ولكنه ضروري. لا يشبه هذا السؤال، سوى سؤال آخر حول ذلك الذي تكلف عناء الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة والاستغفار، وحتى السلام على من بجواره سواء كان عاملا بسيطا أو جارا عزيزا، لكنه بمجرد خروجه وركوبه سيارته، يتحول إلى شخص مختلف تماما، نظرته عند الإشارة حادة، وتصرفاته لا تختلف أبدا عن تصرفات المثقف الخارج من معرض الكتاب وهو يحمل أسفارا من الكتب. صور تستحق التأمل والتساؤل. إن فخامة السيارة، وجمال المنظر، ونوعية الكتب، ولغة الخطاب التي يستخدمها البعض، تتبدل سريعا عندما يتحول إلى قائد مركبة في الشارع. أجزم أن هذا التناقض العام، يحتاج إلى تأمل، إذ ليس المرور وحده من يعاني التقصير، نحن أيضا لدينا تجاوزات تحتاج إلى علاج سلوكي.
إنشرها