Author

بانتظار أمريكا

|
عاشت المعارضة الوطنية السورية في الداخل عامين من الحرب والكر والفر مع نظام أقل ما يمكن أن يقال عنه: إنه فاشي مجرم يسعى للبقاء مهما كلف الأمر. يؤكد ذلك الهجمات الأخيرة التي نفذتها قوات الحزب الفاشي بصواريخ سكود فئة (د) التي تتميز بدقة عالية. الغريب أن إطلاق 15 صاروخا على مدينة واحدة يعني أن الهدف هو تدمير كل شيء، بمعنى آخر ''أنا وبعدي الطوفان''. لكن هل وصل الحزب المجرم إلى هذه القناعة فعلا، أي أنه راحل لا محالة؟ تردد هذا السؤال على كل أطياف المعارضة التي استمرت في تأكيد أن النهاية قريبة. لكن استخدام هذه الصواريخ التي كلفت المواطن الكثير من مقدراته تحت ذريعة الإعداد لحرب إسرائيل التي لم نر لها أي علامة أو دليل يمكن أن نعذر من خلاله هذا الحزب المجرم، ضد ذلك المواطن المسكين لم يكن في الحسبان قط عند أسوأ أعداء الحزب. بقي السلاح مخزنا في مواقع عديدة، لكنه بعيد عن الجبهة، حتى عندما هاجمت إسرائيل لبنان مرتين بقيت هذه الصواريخ في صوامعها، لأن لها موعدا مع عدو آخر هو الشعب المسكين ضحية التصريحات والخدع السياسية السخيفة. لم يستخدم النظام الفاشل هذه الصواريخ حتى بعد أن اعتدت إسرائيل على موقع مفاعل نووي ''مفترض''، وهدد بشار برد الاعتبار والأخذ بحق المواطن السوري ''لكن في الزمان والمكان اللذين يحددهما هو''. المؤكد أن الرد لم يكن ليأتي لأن هناك أمورا خفية لا يعلمها سوى منظري وقادة الحزب ''الممانع''. يمكن القول: إن إسرائيل تفقد يوميا المزيد من عناصرها وعملائها الذين يعملون داخل الحزب الحاكم في سورية ومن مختلف المستويات. دفع ذلك إسرائيل لشن هجوم على موقع داخل سورية في غارة اتسم التعامل معها بالتكتم الشديد، وأظنه عملية للتخلص من شيء يثبت عمق العلاقة بين الحزب وإسرائيل. وصلت دولة الكيان الصهيوني إلى قناعة أن هذا الحليف ساقط لا محالة، تؤكد ذلك دلائل كثيرة وأهمها تلك العمليات التدميرية الكبرى التي تطول المدن السورية ولا تفرق بين السكان رغم أن المعارك تدور حتى داخل أحياء دمشق. هذه المخاوف التي يثيرها تهاوي سيطرة الحزب على الدولة بدأت تقلق روسيا هي الأخرى التي بدأت عمليات شحن كبيرة للأسلحة في رحلات تجلي في طريق عودتها المزيد من المواطنين الروس إلى بلادهم. يعتمد كل هذا على دلائل يراها الأشخاص القريبون من الحزب الحاكم ورؤوسه المجرمة. قناعة لا تزال جمهورية إيران غير متيقنة منها. فهي مستمرة في دعم الحزب ومحاولة إبقائه حيا من خلال عمليات الإنعاش القلبي بالشحنات المليارية والأسلحة من مختلف الأنواع والمقاتلين الذين يأتون من إيران، ومن حزبهم العميل في لبنان. تتجلى هنا كفاءة التنظيمات الديمقراطية في مواجهة المخاوف والإعلان عنها بصراحة. إسرائيل قرأت واكتشفت الحقائق من خلال عمليات علمية لا محاباة فيها لأحد سوى مصلحة الدولة. ثم تلتها روسيا التي لا تزال أقرب للأنظمة الدكتاتورية الفردية، وهو ما يجعل تقارير ودراسات مراكزها ووزاراتها حريصة على عدم كسب عداوة رأس النظام، لكنها تكتشف يوميا المزيد، وتنأى بنفسها عن الحزب الذي كسبت من جراء دعمه عقودا خيالية أفرغت البنك المركزي من العملة الصعبة. فبدأت تهرب بعد أن وجدت أنه لم يعد هناك ما يمكن أن تكسبه من النظام الساقط. إيران -كما هي العادة- تنظر للموضوع من ناحية طائفية عنصرية دفعت لأجلها الغالي والنفيس، وتعيش حالة من الرفض الشديد لفكرة أن تنتهي خطتها للسيطرة على ''الهلال الشيعي'' بعد كل هذه السنين والكم من الصرف والتجهيز لسيطرة المرشد على المنطقة التي تربطها بالعالم، وتعطيها الحق في أن تفرض مفاهيمها وآراءها على قلب الشام. يضاف إلى ذلك أن أيا من محللي النظام ومنظريه لن يستطيع أن يقول للمرشد الأعلى: إن خططه باءت بالفشل، وإن النظام سيسقط وهو يتهاوى بسرعة. لأن المفهوم القائم هناك أن المرشد يعلم كل شيء ولا يمكن أن يعارضه أحد أو يبدي اعتراضا على رأيه. يعكس هذا حالة التأزيم التي عاشها النظام في إيران لعقود، مع أنه ثبت خطأ السياسة الإيرانية في الكثير من المواقف لأنها لم تعتمد على الواقعية، إنما تحقيق رغبات المرشد. يمكن القول أيضاً: إن إسرائيل أكثر تغلغلا في دهاليز القرار الأمريكي - وهي حقيقة - رأت أن التوجه الأمريكي لدعم المعارضة السورية ليس جادا، وهو ما لا يريد أن يصدقه الكثير من مكونات المعارضة السورية. يريد الرئيس أوباما أن يبعد القوات الأمريكية عن التدخل العسكري خارج أمريكا. قد يشارك في عمليات استخبارية، من خلال الأفراد أو الطائرات المسيرة عن بُعد، أو حتى بالدعم العسكري بالسلاح والذخائر والصواريخ، وهو أمر ليس مرجحا في المرحلة الحالية. لكنني أعتقد أن أمريكا تفضل نظاما متهالكا شمال إسرائيل -حليفتها الأولى في الشرق الأوسط، لأسباب سياسية وعسكرية ودينية- حتى ترى أمريكا في الحالة العراقية الحل الأمثل. دولة متهالكة، وشعب مفكك، وحرب على المصالح الشخصية. أدعو الله -سبحانه وتعالى- أن يحمي سورية من تكراره. لكنه قد يكون الشكل الأفضل في نظر أمريكا. ويستدعي ألا ينتظر الجيش الحر والمعارضة بشكل عام أي مساعدة من أمريكا، لأنها لن تسانده أبدا.
إنشرها