Author

في صحافة لندن قد تعرف موقع العرب في خريطة الدنيا

|
أستاذ جامعي ـ السويد
آمل أنني لم أثقل على قرائي الكرام بالحديث عن رحلتي الأخيرة إلى لندن. بريطانيا كتاريخ وميراث لها من السيئات ما يفوق الحسنات بقدر تعلق الأمر بالعرب والمسلمين. ومن خلال احتكاكي بالعرب الذين أتقن لسانهم وأقرأ قرآنهم وأدبهم وتاريخهم وأيامهم أرى أن الكثير منهم ينبذون بريطانيا قولا، ولكنهم يودون زيارتها والدراسة في جامعاتها وتكديس أموالهم في بنوكها لا بل السكن فيها إن أمكن. ولندن اليوم ليست "لندنها" إن جاز التعبير. اليوم غالبية قاطنيها ــــ أكثر من 55 في المائة من ملايينها الـ 13 ـــ أجانب. البريطانيون البيض يبدو أنهم ضاقوا ذرعا بازدحامها وإيوائها لكل "من هب ودب"، لذا غادروها إلى الأرياف والنزوح مستمر. ولندن تمتاز بصحفها ذات الشهرة العالمية مثل "التايمز" و"كاردين" و"ديلي تلجراف"، إضافة إلى صحفها الشعبية ــــ تابلويد ــــ مثل "ذي صن" و"ديلي ميرر" التي تعد اليوم أكثر صحيفة مقروءة إلكترونيا في العالم. وبإمكان المرء اليوم قراءة أغلب هذه الصحف من خلال الإنترنت أين ما كان في الدنيا. ولكن تبقى للصحافة الورقية اللندنية نكهتها الخاصة. ولهذا تراني أحمل تحت إبطي أو في حقيبتي أغلب الصحف الصادرة في كل يوم من وجودي هناك. بالطبع من غير الممكن قراءتها كلها، ولكنني أشعر براحة نفسية وأنا أحملها معي وأطالع عناوينها في قطار المترو وفي المطعم وفي الفندق. قراءة عناوين صحف لندن في رأيي تعني قراءة الدنيا، ولا سيما مواقف الغرب من العرب والمسلمين وقضاياهم. ولن أنصف الصحافة البريطانية في مقال أو مقالين أو حتى في كتاب، لأنها في تغير وتطور وتحديث مستمر. وآخر شيء لاحظته كان أن جريدتي المسائية اللندنية المفضلة ـــ إيفننك ستاندرت ــــ أصبحت توزع مجانا في كل ركن من أركان شوارع العاصمة البريطانية. وما شدني هو أنني لم ألحظ فرقا كبيرا في محتوى وقيمة المادة الصحافية فيها رغم مجانية توزيعها. هذا أمر بذاته يحتاج إلى مقال منفصل. هذه مقدمة بسيطة لحدث جلل. فقد صادف يوم عودتي من لندن إلى السويد أن يكون الأحد وهو يوم عطلة، فيه تتبارى الصحف اللندنية بطبع نسخ خاصة وبصفحات عديدة قد يصل حجمها أحيانا إلى كتاب بأكثر من 150 صفحة. وجريدة الأحد المفضلة لدي هي "صندي تايمز" وحملتها معي إلى المطار. وأنا في صالة الانتظار بدأت بتصفح الجريدة ووقعت عيناي على رسم كاريكاتيري للفنان الشهير جيرالد سكارف يظهر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحمل في يد مالج وفي يد أخرى طابوقة وهو يبني جدارا في إشارة إلى الجدار الفصل العنصري ونشاطات الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. المثير في الرسم أن الأسمنت الذي يستخدمه نتنياهو أحمر قاني اللون والحائط مبني إضافة إلى الطابوق بأشلاء الفلسطينيين. الرسم لا رمزية فيه بل مباشر وشخصي في إيحائه فهو يجسد نتنياهو كسفاح ومجرم مغرم بسفك دم الفلسطينيين وقتلهم واستخدام أشلائهم لتحقيق أحلامه الاستيطانية. قلت في نفسي: "هذه نهاية سكارف، رسامي الكاريكاتوري المفضل". وتصورت أن هذه إهانة لا بعدها إهانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي ولا يمكن أن تمر بسلام. هكذا رسم يجوز لأي زعيم عربي أو مسلم وإن لم يقترف 1 في المائة من جرائم أي زعيم إسرائيلي. لكن المسألة أبعد من ذلك: أن يُنشر رسم مهين كهذا في جريدة يملكها يهودي ينادي بصهيونيته ومساندته العلنية ليل نهار للسياسات الإسرائيلية وأغلب محرريها الكبار مساندون لإسرائيل فهذه مسألة تحتاج إلى بعد نظر. كَسَر المبدع سكارف كل المحرمات في واحدة من أكثر الصحف اللندنية محافظة وبقي صامدا إلى اليوم. أقام اللوبي الصهيوني والإسرائيلي الدنيا ولكن أقعدوها. فما الذي حصل؟ الجواب في الأسبوع المقبل،،،،
إنشرها