Author

السلوك الفوضوي إلى متى؟!

|
أجزم أن كل واحد منا مر أو شاهد أو سمع بموقف فوضوي، أي موقف لا يلتزم فيه مجموعة من الناس أو واحد منهم بالنظام الذي يفترض أن يلتزم به الفرد أو الجماعة. المواقف والمشاهد الفوضوية في الحياة – مع الأسف - كثيرة وتحدث في أماكن رسمية وأخرى غير رسمية، في المخبز يحدث التدافع وعدم الالتزام بالنظام، وفي المقبرة حين أداء التعزية لذوي المتوفى يحدث الزحام والفوضى في وقت وظرف يجب أن يكون الناس على مستوى من النظام والهدوء حتى في بعض الحالات يحدث تدافع، وفي الأماكن الرسمية يحدث مثل هذا، إذ تجد أن البعض يكره النظام، ويعاند الآخرين، ويتقدم عليهم، بل يسب ويشتم من يعترض عليه وعلى تصرفه. لماذا تكون الفوضى؟! هل الفوضى نتاج الثقافة التي عشناها وتعودنا عليها، أم أنها سلوك طارئ وموقفي يقدم عليه الفرد نتيجة ظرف طارئ يلزمه بعدم الالتزام بالنظام، والتعدي، والتقدم على الآخرين؟ إذ قد يكون مستعجلاً، وليس لديه وقت كاف، لذا يتقدم على الآخرين، لكن هذا ليس مقبولاً على الإطلاق. الفوضى في التصرف والسلوك لا يمكن تبريرها بالثقافة العامة، وإلا لما لاحظنا التفاوت بين الأفراد، إذ قد نجد فردين عاشا في المنزل نفسه وتحت سقف ثقافة اجتماعية واحدة، ومع ذلك يلتزم أحدهما بالنظام ويحترمه في حين أن الآخر لا يفعل ذلك، بل يتعدى على النظام، وربما يستهزئ بمن يحترم النظام. الغريب أن السلوك الفوضوي ليس له مكان محدد، فنلاحظه في الشارع، والسوق، وفي الجامعة، وفي المساجد، ومن يلاحظ أين يضع الناس أحذيتهم رغم وجود أماكن مخصصة لذلك يتعجب أشد العجب لماذا لا يستخدم الناس الدروج المخصصة؟! أما وقوف السيارات عند المساجد فَحدِّث ولا حرج، إذ لا تجد فيها أي مظهر حضاري، بل إن البعض يوقف سيارته بصورة يعوق فيها الآخرين ويحجزهم فترة طويلة دون اكتراث أو إحساس. كما أن السلوك الفوضوي يصدر من فئات عمرية عدة، فنلاحظه على الكبار والصغار، كما أنه يصدر من متعلمين وغير متعلمين، لذا لا بد من إعادة طرح السؤال: لماذا يحدث هذا السلوك؟! هل طريقة التفكير الفردي، والإدراك لها دور في ذلك؟ أي هل الأحكام الفردية بشأن السلوك إن كان مقبولاً أو غير مقبول لها تأثير في توجيه السلوك؟ نعم لها دور، لكن الإدراك يتأثر بالثقافة التي يعيشها الفرد، ويتعامل معها، فالفرد الذي يعيش في وسط ثقافة يغلب عليها الفوضى يرى نفسه شاذاً لو التزم بالنظام، كما قد يعيب عليه أصدقاؤه وأصحابه الالتزام بالنظام، وقد يتشكل لديه إحساس أن التزامه بالنظام قد يفقده ويضيع عليه الكثير من المصالح، لذا يتصرف تصرفاً فوضوياً. السلوك الفوضوي نتاج عوامل عدة منها الثقافة العامة، وعملية الإدراك الفردي، والظروف الموقفية الضاغطة التي تجبر الفرد على هذا السلوك، كأن يكون في مستشفى مع مريض ولحرصه على المريض يقدم على هذا السلوك، إضافة إلى افتقاد الروادع والأنظمة التي تجبر الأفراد على احترام النظام والالتزام به. أما التنشئة والتربية التي يتلقاها الأفراد في منازلهم، وفي المدرسة فلها دور أساس في سلوك الفرد المنظم أو الفوضوي، فما يلاحظه من سلوك يصدر من أبويه أو إخوته يكون له تأثير في حب النظام والالتزام به، أو عشق الفوضى وممارستها. ومهما تكن الأسباب لا بد من روادع للسلوك الفوضوي حتى مع وجود القدوة والتعليمات، ذلك أن السلوك الإنساني في بعض الأحيان يتوجه الوجهة الحسنة حين يشعر بوجود سلطة رادعة. ويمكن أن يكون الردع من خلال نظرة رافضة للسلوك، أو من خلال كلمة تنبيه، لكن هذا لا يتحقق ما لم توجد ثقافة عامة تضغط على سلوك الفرد الذي يمارس السلوك الفوضوي ليخجل ويحس بعدم القبول والرفض من الآخرين لسلوكه.
إنشرها