أخبار اقتصادية

فضيحة لحوم الخيول تدفع باتجاه تغيير نظام الرقابة الغذائية في أوروبا

فضيحة لحوم الخيول تدفع باتجاه تغيير نظام الرقابة الغذائية في أوروبا

يكشف القلق الراهن لدى الرأي العام الأوروبي عموما والبريطاني على وجه التحديد أن فضيحة لحوم الخيل لم تعد مجالا للمزاح أو الدعابة، فعندما وقف الكوميديان البريطاني الشهير راسل هاورد أمام الجمهور في إحدى فقرات برنامجه على قناة بي بي سي قائلا: ''لماذا أنتم غاضبون من اكتشاف لحم الخيل مخلوط مع لحوم الأبقار التي تتناولونها، ألا تشكروا أصحاب المتاجر على أنهم لم يضعوا لحوم حمير بدلا من ذلك، على الأقل الآن يمكنكم الصهيل كالخيل بدلا من النهيق كالحمير''، لم يبتسم الجمهور كثيرا للدعابة. ويأتي ذلك في حين سيجري الأوروبيون آلاف الفحوص المخبرية على أطباق يفترض أنها معدة على أساس أنها تحتوي على لحم بقري حصرا، للتحقق مما إذا كانت تحتوي على لحم خيل فيما طالت الفضيحة بلدانا جديدة وأكدت شركة ''سبانجيرو'' الفرنسية المتهمة من قبل باريس براءتها. فقد اتفقت الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على إجراء نحو 2250 فحصا مخبريا. وفي كل من هذه الدول ستجرى فحوص مخبرية يراوح عددها بين 10 و150 فحصا، ووفقا لـ ''الفرنسية'' ستجرى الاختبارات ''بشكل أساسي على صعيد الموزعين، على مواد غذائية معدة للاستهلاك''. وبالفعل أجرى الصناعيون في هذا القطاع في بريطانيا فحوصا كشفت وجود لحم خيل في 29 منتجا يفترض أن تكون مكونة من اللحم البقري من أصل 2501 عينة كما أعلنت وكالة الأمن الغذائي البريطانية. ومع اتساع نطاق الفضيحة لم يكن أمام ديفيد هيث وزير الغذاء البريطاني غير الخروج للرأي العام ومحاولة تهدئه، بالتأكيد على أن التحقيقات التي تجريها السلطات ''هي الأكبر من نوعها''، وتهدف لمعرفة الأبعاد الإجرامية لعملية خلط لحوم الخيل مع لحوم الأبقار وبيعها للمستهلكين في عبوات ختمت بختم ''لحم بقري 100 في المائة''. الفضيحة انتشرت على مساحة 12 دولة أوروبية وتحت وطأة الضغط الإعلامي والسياسي خرج وزير الزراعة الإيرلندي سيمون جوفني الذي تترأس بلاده الدورة الراهنة للاتحاد الأوروبي ليعلن وبشكل صريح: ''هناك عدد من الأشخاص متورطون، وكثير من الشركات في مختلف بلدان الاتحاد متهمة''، والنتيجة وفقا للوزير الإيرلندي: ''تحقيقات مكثفة، لكنها ستتطلب بعض الوقت حتى نفلح في الوصول إلى الحقيقة''. ''نظام الرقابة الغذائية لدينا في حاجة إلى تغييرات جذرية''، كان هذا تعليق سام واليش المسؤول السابق في وكالة المعايير الغذائية لـ ''الاقتصادية''، وتابع أن ''الأمر مرتبط بنقص الإمكانيات ونقص الكفاءات والكسل. هناك حالة من التراخي في أداء العمل يمتزج أيضا بنقص الكفاءة الوظيفية، والنتيجة هي تدهور نوعية الغذاء المستهلك''. ويضيف: ''لو كان لدينا مراقبو أغذية مدربون بشكل جيد كان يمكن لهم اكتشاف لحم الخيل بالعين المجردة ودون فحوص. فلحوم الخيل يختلف لونها عن لحوم الأبقار، هذه المعلومات الأولية والواجب توافرها لدى المراقبين الغذائيين كانت كفيلة بتجنب تلك الفضيحة''. لكن واليش يعرب عن تخوفه من أن تكون تلك الفضيحة هي البداية لسلسلة من الفضائح الغذائية القادمة في الطريق، ويقول: ''لا بد من سرعة اتخاذ إجراءات حاسمة لنعيد الثقة سريعا لنظام معايير السلامة الغذائية''. واقترح زيادة أعداد المفتشين الغذائيين، ''فنتيجة للتقليص المتواصل للميزانية تم خفض أعداد العاملين في الوكالة، والعمل الذي كان يقوم به موظفون يقوم به الآن مراقب واحد فقط، وهذا ما أدى إلى الفضائح التي نشهدها الآن''. ويعتقد الدكتور جيم تشازون المتخصص في السياسات الغذائية أن لفضيحة لحوم الخيل البريطانية أبعادا مرتبطة بالقرار السياسي الحكومي، وقال لـ ''الاقتصادية'': ''قد أوافق على أن مستوى الكفاءة والتدريب قد تراجع لدى العاملين في وكالة المعايير الغذائية، كما أن أعباء العمل قد أصبحت أكثر مع تقليص أعداد العاملين من جراء خفض ميزانية الوكالة، لكن علينا التذكر أننا نستخدم تكنولوجيا متقدمة في الفحوص الغذائية تمكننا من تعويض جوانب النقص، كما أن الأمر يتعلق بخلط نوعيين من اللحوم معا وأي تكنولوجيا بسيطة يمكن لها أن تكتشف ذلك''. وأين المشكلة؟ يجيب تشازون: ''الأمر سببه السياسات الحكومية التي كان شعارها (اترك الأمر للتجار)، إن الحكومة تحاول أن تقلل من أعبائها إلى الحد الأدنى، ومن ثم تركت مراقبة نوعية وجودة المنتجات الغذائية لشركات الأغذية والمتاجر والمجمعات الاستهلاكية''. ويتابع: ''ربما كان هذا منطقيا وصحيحا نظريا، فإذا كنت صاحب متجر فستكون حريصا دائما على بيع أفضل المنتجات الغذائية لضمان أن يواصل المستهلك أو الزبون التبضع من متجرك''. لكن الواقع مختلف حسب تحليل تشازون، ويعزز رؤيته قائلا: ''المتاجر الكبرى وفي ظل المنافسة المحتدمة الآن على القليل الذي ينفقه المستهلك، تغاضت عن الجودة وما يتطلبه ضمان تحقيقها من إنفاق واستثمارات، وسعت إلى أن يكون سعر منتجاتها منخفضا ليقبل عليها المستهلك وترتفع الأرباح. الربح له المكانة الأولى والجودة تراجعت''. ويختتم الدكتور جيم تعليقه بالقول: ''لا بد من أن يعود أمر فحص سلامة المنتجات الغذائية ليد الحكومة. هذا هو الدرس المستفاد من هذه الفضيحة''. واعتبرت هالين بودن إحدى العاملات في مجال فحوص الغذاء أنه من الصعب الآن أن تقوم دولة واحدة بمفردها بإحكام السيطرة على المعايير الغذائية. وقالت لـ ''الاقتصادية'': ''قد يكون من الصعب أن تكون هناك وكالة دولية واحدة ممولة من مختلف الحكومات، وتابعة للأمم المتحدة لمراقبة المعايير الغذائية، لكن ارتفاع تكاليف الكشف على جودة وسلامة المنتجات الغذائية يتطلب المزيد من التعاون الدولي والإقليمي''. وتضيف: ''يمكن لأوروبا على سبيل المثال أن توحد جهودها في هذا المجال. نحن في عصر شركات الغذاء الدولية ووجود هيئة أوروبية للرقابة الغذائية أمر مفيد للجميع''. وهذه دعوة ربما تجد تطبيقها العملي في قرار الاتحاد الأوروبي بقيام الدول الأعضاء بإجراء اختبارات على اللحوم البقرية المفرومة لاكتشاف ما إذا كان هناك حامض نووي للخيول فيها أم لا، في مسعى للتعرف على ما إذا كانت عقاقير غير شرعية استخدمت مع الخيول التي خلطت لحومها مع الأبقار أم لا. وقد صرح مصدر مسؤول في التحقيقات الجارية لـ ''لاقتصادية'' أن الأيام المقبلة ستشهد مزيدا من عمليات القبض على أشخاص متورطين في تلك الفضيحة، وأوضح أن هناك تعاونا تاما بين الدول الأوروبية في عمليات الاعتقال تلك، ''الأمر المؤكد بالنسبة لدينا الآن أن القضية متشابكة، فلا يوجد مصدر واحد صدّر تلك اللحوم لباقي البلدان الأوروبية، بل هي جريمة منظمة ومعقدة وممتدة على طول البلدان الأوروبية وعرضها''. وتابع: ''كانوا يعلمون أن ما يقومون به جريمة يعاقب عليه القانون، كانوا يبيعون اللحم البقري المخلوط بلحم الخيول بأسعار أرخص من الأسعار الطبيعية للحوم البقرية الصافية''، وقال إن الأمر ليس كما صورته وسائل الإعلام في الأيام الأولى للفضيحة أن فرنسا صدرت لحوم الخيول لبريطانيا ''نحن أيضا صدرنا لهم لحوم ستة خيول تناولت عقاقير يمكن أن تصيب الإنسان بالسرطان''. ولا تزال الفضيحة تحتل موضعا بارزا في الإعلام الغربي وخاصة البريطاني. وما زالت مخاوف الرأي العام ملحوظة. وهو ما دفع برؤساء مجالس إدارات متاجر بيع السلع الغذائية مثل ''تيسكو'' و''سينسبريز'' و''واترس'' إلى التزام الصمت وتفادي التعليق للصحافة. لكن ما أعلنته وكالة المعايير الغذائية البريطانية بإجراء فحص على 2501 عينة من المنتجات الجديدة لتكتشف أن نسب لحم الخيل لا تزيد على 1 في المائة، مثل طوق النجاة لكبار المسؤولين في تلك المتاجر، وخرج جاستين جينج رئيس مجلس إدارة سلسلة ''سينسبريز'' على وسائل الإعلام قائلا: ''إن الذين روجوا لفضيحة لحم الخيل باعتبارها الجزء البارز فقط من جبل الجليد مخطئون''. لكن رغم ذلك تقول الصحافية كاثرين براون لـ ''الاقتصادية'': ''إنهم واهمون يعتقدون أن هذا الموضوع سيختفي من الصحف بعد قليل وستختفي الفضيحة. نعم ربما يتراجع الموضوع إلى الصفحات الداخلية ولا يحتل عناوين الأخبار، لكن المؤكد أنه ترك بصمات قوية لدى المستهلكين جعلتهم أكثر وعيا بأنماط الشراء والاستهلاك، وعلى أصحاب المتاجر الاستهلاكية أن يعوا تماما أن قضية الغش التجاري وخداع المستهلك المقبلة قد تعني النهاية بالنسبة لهم''.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية