Author

التحول إلى اقتصاد المعرفة وتعزيز البحث العلمي

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
من نافلة القول الحديث عن العلاقة الوثيقة بين التحول إلى اقتصاد المعرفة knowledge based economy والبحث العلمي، إذ إن البحث العلمي ركيزة أساسية لتحول الاقتصاد من اقتصاد بصورة تقليدية يعتمد على الإنتاج أو الريع من خلال وسائل تقليدية، والاقتصاد المعرفي الذي يعتمد على وسائل متطورة في الإنتاج، إضافة إلى تطور نوعية المنتجات، كما أن الارتباط وثيق بين البحث العلمي ومجتمع المعرفة. لذلك ليس هناك حاجة إلى الاستطراد في البراهين التي تؤكد أهمية الاهتمام بالبحث العلمي من أجل أن تتكامل مكونات اقتصاد المعرفة في المجتمع. إذا نظرنا إلى واقع المجتمع اليوم والتوجه الحكومي العام سنجد أن الاتجاه العام يستثمر بشكل كبير لبناء بيئة تعتمد على اقتصاد المعرفة، حيث تم الاستثمار بشكل كبير في بناء الجامعات الجديدة والتوسع في الجامعات القائمة، إضافة إلى الابتعاث الخارجي، كما أنه تم دعم كثير من المشاريع البحثية على مستوى المملكة، وتحظى الجامعات اليوم بدعم كبير للبحوث، وانعكس ذلك على الارتقاء بمستوى الجامعات المحلية في المنطقة. هذه الخطوات لا شك أنها تؤكد الحرص على أن الارتقاء بالقدرات البشرية للمجتمع لتهيئته إلى التحول إلى اقتصاد المعرفة، الذي تعتمد عليه الدول المتقدمة في أن يكون لها مركزا متقدما في الاقتصاد العالمي، وأن تزيد من إنتاجية الفرد وأن يكون المعول في الناتج القومي بشكل أكبر على قدرات وكفاءة المواطنين بدلا من الاعتماد على اقتصاد موارد الدولة الطبيعية. ويبقى أن هناك مقترحات لتعزيز مكانة البحث العلمي بما ينعكس عمليا على أداء المؤسسات في المجتمع سواء بقطاعيها الحكومي والأهلي: أولا: من المهم تعزيز إدارات البحث العلمي والدراسات داخل الوزارات والهيئات والإدارات الحكومية، سواء من خلال دعمها بالبنية التحتية والاحتياجات اللازمة، لتقديم الدراسات الخاصة بأداء ونشاط القطاع الحكومي الذي تتبع له، إضافة إلى تعزيز هذه الإدارات بالكفاءات المتميزة في البحث العلمي. ثانيا: إيجاد كادر ووظائف خاصة بالباحثين توازي وظائف أساتذة الجامعات، تتطلب هذه الوظائف مهارات تتناسب وما يحتاج إليه البحث العلمي، وتعتمد أيضا في الامتيازات والترقيات على ما يتناسب مع هذه الوظيفة، حيث إن المؤسسات الحكومية حاليا تعتمد بشكل كبير على خبرات من خارج مؤسساتها، وهذا قد يساعدها بشكل جزئي على معالجة قضية محددة، لكن قد لا يساعد على دراسة مستمرة لأداء المؤسسة واستدامة كفاءة أدائها من خلال دراسات واستقصاء وتحليل بصورة مستمرة، وبناء الخبرات داخل المؤسسة يمكنها من إدراك مكامن الخلل والضعف، كيف يمكن معالجتها بصورة صحيحة ومستمرة، لذلك نجد أحيانا أن بعض الجهات الحكومية التي تهتم بتطوير أدائها تنفق الكثير على جهات استشارية تقدم لها حلولا نظرية، ثم ما تلبث هذه أن تكون حبيسة الأدراج لانتهاء الدراسة دون أن يكون هناك تطبيق فعلي لها. أما في حال وجود خلل في الدراسة أو نقص فإنه لا يمكن تداركه بعد الانتهاء منها، خصوصا أنه أحيانا يكون هناك تغيير كبير ناتج من أمر مرتبط بالدراسة لأسباب من داخل أو المؤسسة خارجها. أما في حال ما كانت الخبرات البحثية والاستشارية من داخل المؤسسة، فإنه ذلك يعزز وجود المبادرات بصورة مستمرة بما يخدم نشاط المؤسسات الحكومية. ثالثا: بعد تمديد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، فإن في ذلك فرصة كبيرة للاستفادة من هذا البرنامج من قبل القطاعات الحكومية، وذلك بأن تمنح هذه القطاعات عددا من فرص الابتعاث للدكتوراه، وذلك بأن تخصص قضايا محددة تريد علاجها، أو تطويرها داخل مؤسساتها ومن ثم تخصص منحا لمجموعة متميزة من الباحثين لدراسة قضايا محددة، وذلك بغرض أن تكون هناك معالجة مباشرة لاحتياجات تلك المؤسسات، إضافة إلى تهيئة هذه الخبرات للعمل مستقبلا، وتطوير أداء هذه المؤسسات الحكومية، بدلا من دراسة قضايا عامة. رابعا: من الملاحظ أن هناك دعوات من البعض إلى تقليص الاهتمام بالعلوم الإنسانية لمصلحة التخصصات التقنية نظرا لعدم الفائدة منها فعليا في سوق العمل، وهذا قد يكون صحيحا إذا ما نظرنا إلى واقع البرامج في العلوم الإنسانية، لكن العلوم الإنسانية لها أهمية كبيرة في بناء مجتمع المعرفة، ويفترض أنها تسبق أو تتزامن مع مرحلة الاهتمام بالتخصصات التقنية، إذ إن دراسة خصائص المجتمع وما يعزز إنتاجيته، ولذلك من المهم التفكير في إعادة هيكلة برامج العلوم الإنسانية لا تقليص الاهتمام والعناية بها. خامسا: من المهم بناء مراكز علمية مستقلة، وتكون أشبه بما يسمى الجامعات البحثية التي تركز على قضايا استراتيجية في المجتمع، لتقدم مبادرات وحلولا في قضايا مثل المياه والكهرباء وسوق العمل. الخلاصة أن البحث العلمي ركيزة أساسية لتحول المجتمع إلى اقتصاد المعرفة، والحكومة استثمرت كثيرا في ذلك من خلال تعزيز التعليم العالي والمتخصص، ومن المقترحات بناء هيكلة للبحث العلمي في المؤسسات الحكومية، إضافة إلى استفادة المؤسسات الحكومية من فرص الابتعاث، وإعادة هيكلة برامج العلوم الإنسانية لا تقليصها لمصلحة العلوم التقنية.
إنشرها