Author

برنامج الابتعاث.. هل يوائم سوق العمل؟

|
خلال الأشهر الماضية سنحت لي الفرصة للاطلاع عن قرب على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وذلك من خلال التعامل مع وكالة الوزارة لشؤون البعثات. الموقع الإلكتروني للوزارة متطور ويعطي تصورا واضحا لآلية التقديم للبعثة ومتابعة الطلب وفق عملية طورت بشكل متناسق معتمدة بدرجة كبيرة على التعامل الإلكتروني. كما استفادت من تجارب المراحل السابقة لتلافي الأخطاء، وذلك بتقنين مستوى المتقدمين واختيار التخصصات ومعاهد اللغة والجامعات وتوقيت التقديم وغير ذلك. هذا التطوير والتميز الذي يضاف إليه حسن التنظيم والتعامل مع الطلاب في صالة استقبال المراجعين الراقية في مقر الوكالة في الرياض يقدم نموذجا يستحق الإشادة، خاصة عندما ينزل الدكتور ناصر الفوزان وكيل الوزارة لشؤون الابتعاث إلى الصالة يوميا ويمضي فيها ساعة ونصف ليقابل الطلاب المتقدمين ممن لديهم بعض الإشكالات في طلباتهم، وهو ما لا يقوم به مديرو فروع الوزارات في مدن كثيرة من المملكة! بيد أن هناك مشكلتين، وليس هدف المقال تقييم آلية سير البرنامج، يجدر الاشارة إليهما. الأولى هي في بطء عملية سير الطلبات، التي بدأ التقديم عليها في شهر شعبان ولم تعتمد أسماء المقبولين إلا بعد حضور المنتدى في منتصف شهر المحرم الذي يبدأ بعده الطالب في التقديم على القبول الجامعي ثم تأشيرة الدراسة لدى السفارة الأمريكية وهو مايستغرق أسابيع وربما أشهر يستحيل معها اللحاق بالفصل الدراسي الثاني، أي أن المبتعث يخسر عاما دراسيا كاملا دون دراسة بانتظار إجراءات البعثة والقبول! والأمر الآخر هو صعوبة الاستفسار عن الطلبات للمتقدمين من خارج الرياض لأن الحصول على رد هاتفي من مركز خدمات المبتعثين من الأمور المستحيلة! نأتي إلى صلب الموضوع وهو السؤال الملح: ما الذي يحدد تخصصات ومستويات المبتعثين؟ هل هي حاجة سوق العمل؟ أم رؤية خاصة بالوزارة؟ أم أمر آخر؟ فقد ضمت المرحلة الثامنة 9244 مرشحاً ومرشحة كنت أظن أغلبيتهم من طلاب مرحلة البكالوريوس إلا أن تقسيمهم جاء كالتالي: 610 لمرحلة الدكتوراة و991 لمرحلة الزمالة الطبية و6840 لمرحلة الماجستير و803 لمرحلة البكالوريوس أي أقل من 9 في المائة! أجزم أن 90 في المائة من الوظائف المهنية Professional وليس المقصود الفنية لا تحتاج سوى درجة البكالوريوس. فمن خلال عملي في مجال تقييم الوظائف وكتابة وصفها الوظيفي والاطلاع على مئات الأوصاف الوظيفية لشركات سعودية وخليجية وأمريكية ومعرفتي بالمعايير التي تعتمدها الشركات الاستشارية في مجال الموارد البشرية لمقارنة الوظائف وتقييم العوائد لكل وظيفة وتحديد أفضل الشركات فإن الأغلبية الساحقة من الوظائف لا تحتاج سوى درجة البكالوريوس. بل إن بعض الشركات تعتبر من يحمل درجة الماجستير مؤهلا أكثر من اللازم Over Qualified وتفضل من لديه البكالوريوس مع سنتي خبرة! نعم هناك وظائف في المجالات الأكاديمية والبحثية والمختبرات وربما في إدارات معينة في الشركات والوزارات تشترط درجة الماجستير لكنها محدودة جدا. ما نخشاه عودة آلاف المبتعثين بدرجة الماجستير ثم لا يجدوا لهم وظائف وفي أحسن الأحوال يوظفون على درجة البكالوريوس فلا يستفيدون من السنوات التي درسوا فيها ويضيع عائد الابتعاث، وهذا ما ذكره نجيب الزامل في مقال سابق له أحدث صدى حول بطالة حاملي الماجستير من المبتعثين. وتكاليف بعثة الماجستير رغم قصرها مقارنة بالبكالوريوس تبدو متكافئة إذا وضعنا في الاعتبار ارتفاع تكاليف الدراسات العليا وكون أغلب مبتعثي الماجستير لديهم مرافقون تتحمل الدولة نفقتهم. الملاحظة الثانية: خلو اختيارات مرحلة البكالوريوس من تخصص الهندسة بكل فروعه مع أنه المجال الذي يشهد أكبر عجز في القوى العاملة المواطنة ويشكل أكبر نسبة حسب علمي من العمالة المهنية الوافدة! ويبدو لي، وأرجو أن أكون خاطئا، أن وزارة التجارة والصناعة التي تصرح للمشاريع الصناعية والتجارية لا تتواصل مع وزارة التعليم العالي لتحديد حاجة السوق المستقبلية. ولا أظن وزارة العمل كذلك تخاطب وزارة التعليم العالي لتعريفها بالوظائف التي تشغلها العمالة المهنية الوافدة والتي يجب استهدافها من خلال الجامعات في المملكه وبرنامج التعليم العالي. أتمنى أن تجرى دراسة على جدوى الابتعاث لدرجة الماجستير بهذه الأعداد الكبيرة والنسب المرتفعة، وذلك بمقارنة وظائف ورواتب المبتعثين قبل البعثة وبعدها لنرى القيمة المضافة والفائدة التي جنوها وجناها الوطن من خلال هذا الاستثمار. وهذه المعلومات متوافرة من خلال سجلات التأمينات الاجتماعية وديوان الخدمة العامة. أتمنى أن تكون الرؤية أفضل مما تبدو، وسيسعدني لو ثبت أن اختيار التخصصات والمراحل تم بناء على دراسات دقيقة وسأكون أول من يفرح بذلك.
إنشرها