Author

لمصلحة مَن؟

|
يستمر المذيع التلفزيوني في التحقيق مع المواطن ''المسحول'' لإثبات أنه تم الاعتداء عليه من قبل رجال الأمن المصريين. يحاول المواطن النفي ويؤكد أن ما حدث هو عبارة عن محاولة من الشرطة لإقناعه بركوب سيارة الأمن المركزي ليتم إسعافه بعد إصابته. ''لكنك بدوت شبه عار في التسجيل''، يسأل ''المحقق''، آسف المذيع. هذا بسبب إصرارهم على أن أصعد السيارة ورفضي ذلك، وخوفهم علي من ''المولوتوف'' الذي كان المتظاهرون يرمونه. - المذيع: ولماذا يعتدي عليك المتظاهرون وأنت مواطن لا علاقة لك بالشرطة؟ - المواطن: لأنني كنت ألبس ''جاكيت'' أسود يشبه ملابس الشرطة. - المذيع: وهل يعتدي الناس على كل من يلبس ''جاكيت'' أسود؟ وهل هذا سبب يستدعي تجريدك من ملابسك؟ - المواطن: والله لم يجردني أحد من ملابسي، السبب هو أن الشرطة كانوا يحاولون سحبي من الشارع وأنا أرفض لأنني كنت أعتقد أنهم سيأخذونني إلى السجن. يستمر التحقيق من قبل المذيع - ثم ماذا؟ - يجيب المواطن: أخذوني إلى المستشفى، واعتذروا لي، واتصل بي مسؤولون كبار في الأمن والداخلية واعتذروا لي. - امممم يجيب المذيع: يعني اتصل بك المسؤولون ''بتهكم''. يوحي للمشاهد أن الاتصالات كانت لتهديد المواطن إن هو تكلم. - هل تقدمت بشكوى؟ يسأل ''أخينا'' - لا ولا أريد أن أشكو أحداً، هو مجرد سوء فهم ''راح لحاله''، من أرغمك على عدم التقدم بالشكوى؟ يسأل المذيع. - لا أحد أنا مقتنع أنهم كانوا يريدون مصلحتي فقط. استمر المذيع يحاول أن يضع الكلام في فم الرجل، لتجريم رجال الشرطة، وتأكيد أنهم اعتدوا على المواطن لمدة تصل إلى 20 دقيقة، لم يفلح في نظري على الأقل، لكنني واثق أن هناك من سيقوِّل الرجل ما لم يقل، ويستغله بشكل غير أخلاقي ضد النظام والدولة. أقول غير أخلاقي لأن الوضع في مصر لا يحتمل أن يقف الشعب في مواجهة الدولة كما هو حاصل الآن. تقوم الأحزاب السياسية بحرب لا هوادة فيها ضد الرئيس مرسي، وضد حكومة قنديل. هذه الحرب ليست من مصلحة مصر. هذه الحرب تصرف عليها الملايين لتحقيق هدف واحد هو إفشال العملية السياسية والمجيء ببديل يلائم رغبات فئة محددة من الشعب، ولن أقول دولا خارجية. لست إخوانياً ولا ليبرالياً ولا علمانياً، ولكنني أرى أن الوضع الذي وصلت إليه مصر يستدعي أن نقف عربياً وإسلامياً مع الرئيس المنتخب ديمقراطياً، كما طالب الجميع. ليس لأنه بريء من كل العيوب أو مارس صلاحياته بطريقة قانونية ونظامية. فهو لم يفعل وهذا ما يعرفه كل مراقب للوضع. ارتكب الرئيس مرسي مجموعة من الأخطاء في بيئة تضخم الأخطاء. أخطأ عندما وضع نفسه في موقع يعيده للجماعة التي رشحته بعد أن خرج منها وأصبح لمصر كل مصر. أخطأ عندما اتخذ قرارات مصيرية، ثم تراجع عنها؛ بسبب عدم قانونيتها أو عدم نضجها أو عدم تقبل المجتمع لها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الدولة المصرية الوليدة. للحق أقول إن عقدة مصر والعالم العربي تجسدت كلها في الاعتقاد أن حرف ''الدال'' هو المؤهل الوحيد لقيادة أي منظومة سواء كانت إدارة حكومية أو وزارة أو شركة أو دولة حتى. مع أن الشواهد التاريخية تؤكد أن الشهادة العلمية لا علاقة لها بالقدرة على القيادة، بل إن التبحر في العلم لا يؤدي إلا إلى فقدان الشخص القدرة على التعامل مع رجل الشارع البسيط، وهذا ما يثبته تاريخ الدول والحضارات. لم يكن في التاريخ من حاز جائزة نوبل في الكيمياء أو الفيزياء أو الطب وكان رئيساً لأي منظومة تحتاج إلى القيادة كقدرة بشرية لحفز الآخرين والتأثير في سلوكياتهم. عندما نتفق على هذا المبدأ، يجب أن ينتهي الربط بين الشهادة العلمية العليا، وأي منصب مهما صغر. الخبرة والمعرفة والمهارات الإنسانية والسلوكية هي ما يحتاج إليه القادة الذين يسيرون الأشخاص والدول والمنظمات، أما الشهادات العليا والتخصصات الدقيقة فمكانها الجامعات ومراكز البحث العلمي. لكننا يجب أن ننظر للواقع وهو أن مصر اختارت الدكتور محمد مرسي رئيساً بطريقة ديمقراطية وحرة وشفافة، لا يمكن أن يشكك فيها أحد. فكيف يخرج الرئيس بمصر من حالتها الراهنة، ويعيد التوازن للثورة؟ أعتقد أنه لا بد أن يخرج الرئيس من كونه رئيساً إخوانياً، وأول قرار أظنه يناسب المرحلة هو إقالة الحكومة الحالية، وإعادة تشكيل الحكومة برئاسة شخص من ذوي الخبرة والقبول لدى الشارع المصري الذي يعتبر في صفوف المعارضة اليوم. قد يكون في شخصية عمرو موسى أو البدوي أو صباحي مخرجاً من هذه الأزمة. ذلك أنهم عاصروا النظام السابق، يعتبرون ممن تم التخلص منهم لضمان استمرار الخطة التي كان يدبرها ابن الرئيس السابق. إضافة إلى صلاتهم بالخارج وقدرتهم على ضمان مواقف أكثر توازناً من دول قد تكون ضد الوضع القائم في مصر اليوم. يمكن أن يعمل الرئيس كذلك على إعادة تكوين مجلسه الاستشاري ليكون أكثر تمثيلاً، وتخصصاً في مجالات يحتاج إليها خصوصاً القانون والسياسة الدولية. يضاف إلى ذلك أن تكون هناك طريقة علمية لاتخاذ القرارات والتأكد من دستوريتها وقبولها لدى الشارع بدلاً من العودة والتأسف وإلغاء القرارات. يمكن أيضاً أن يفوض الرئيس بعض صلاحياته للتعامل مع الوضع اليومي ويتيح مجالاً أكبر من الحرية لرئيس الوزراء والوزراء، ليكون بمثابة الأب الراعي للعملية السياسية وليس طرفاً فيها. حمى الله مصر وأهلها من كل مكروه.
إنشرها