Author

هل تتفوق المرأة في مجلس الشورى؟

|
في البداية نبارك لشعبنا السعودي هذه القفزة الحقوقية وهذا القرار الحصيف بتعيين 30 امرأة في مجلس الشورى، وهذا دليل على الوعي السياسي والرغبة الأكيدة في إيصال صوت ومعاناة نصف المجتمع إلى المجالس البرلمانية، ولا أحد ينكر أن للمرأة الحق في أن صوتها يجب أن يصل إلى المسؤولين، وأن معاناتها يجب أن تطرح بكل صدق وشفافية، وهذا لن يتحقق إلا إذا قامت العضوات الكريمات بتمثيل بنات جنسهن بكل صدق وجرأة وحيادية، وهي بالفعل فرصة ذهبية أن تصل المرأة في بلادنا إلى هذا المستوى الرفع وتقترب من طرح معاناتها أمام أهم المجالس واللجان في الدولة. وهذه القفزة الحضارية والحقوقية، وإن كانت تشريفا لهن، إلا أنها تمثل تحديا وعملا جسورا، لهذا يجب أن يثبتن مقدرتهن على أداء هذه المهمة التاريخية، ونحن نتوقع منهن ذلك، بل إنني أرى أبعد من ذلك، فقد يتفوقن على الرجال في هذا المضمار، فإن فعلن فقد تكون إحداهن رئيسة لمجلس الشورى، فقد كان إلى عهد قريب جدا يستكثر على المرأة أن تكون عضوة في جمعية تعاونية، وها هي الآن تمثل خمس أعضاء أعلى مستوى برلماني في بلادنا، فمن الممكن جدا أن تصل المرأة إذا أثبتت مقدرتها على إدارة المرحلة الحالية والبعد عن تسطيح الأمر والنظرة الدونية والمصالح الشخصية وتصفية الحسابات مع بعضهن أو مع نصفها الآخر، لأن موقعها في مجلس الشورى لا يعني ألبتة تصفية حسابات مع بعضهن أو مع الرجال أو تغيير منهجية المجلس أو تسليط الضوء على قضايا هامشية، فنحن نبرأ بعضوات مجلس الشورى الابتعاد عن مثل هذه التجاوزات ونقاط الاختلافات والقضايا الملتهبة، خصوصا تلك القضايا التي أشبعت طرقا ورأياً وإثارتها قد تُحدث انقساما في المجتمع كقضية قيادة المرأة للسيارة التي أخذت أكثر من حجمها ولم يبق مواطن أو مواطنة أو مسؤول أو موظف أو كبير أو صغير أو عالم أو جاهل إلا وأدلى بدلوه فيها، وكأننا قد أنهينا جميع قضايانا ولم يبق لنا سوى أن تقود المرأة السيارة. أريد أن أقول إذ بدأت المرأة في إثارة أحقيتها في موضوعات هامشية كقيادة السيارة فقد أضاعت حقها في العضوية وأضاعت حقوق بنات جنسها في إثارة القضايا الأنثوية الجوهرية، وهي كثيرة ومتعددة، سأذيل مقالي هذا بجزء منها، وأفضل تعبير لقضية قيادة المرأة السيارة ما تفضلت به الدكتور حياة سندي - أحد أعضاء مجلس الشورى- في هذه الصحيفة يوم السبت الماضي، إذ اعتبرت قضية قيادة المرأة السيارة مسألة تحصيل حاصل، وذكرت بالحرف الواحد "وسيتحقق ذلك (تعني قيادة المرأة السيارة) عندما يحصل توافق بين المجتمع والمسؤولين"، والحق ما قالت الدكتورة حياة، لذا يجب أن يبتعدن عن الدوران حول هذا الموضوع وتجنبه مهما حاول الغير جرهن إليه، فإثارته تحت قبة المجلس سيضيع على المرأة جميع حقوقها وسيتحول الأمر إلى نقاش بيزنطي، وسينهين فترة العضوية دون أن يحققن تقدما، بل أظن أنهن سيفقدن نصيبهن في التمثيل مرة أخرى. نعم نحن نحتاج إلى هذا التوافق الذي أشارت إليه الدكتورة سندي، وسيأتي مع الوقت، لكن لا نريد لعضوات مجلس الشورى أن يرهقن أنفسهن في انتزاعه فسيأتي مع الوقت، فوضعنا وطريقة معيشة الرجال الأجانب بين نسائنا بحجة توصيلهن إلى مقار أعمالهن ومدارسهن وجامعاتهن غير مقبولة على الإطلاق، وتسببت في شرخ كبير في ثقافتنا وسذاجة في نظرتنا إلى الدين، وتكلم الكثيرون حول هذا الموضوع حتى إن إثارته أصبحت تشعرك بالتقيؤ. نتمنى من عضوات مجلس الشورى الابتعاد عن قضية قيادة المرأة السيارة في الوقت الراهن، وإن أردن النجاح، فعليهن ترتيب القضايا الجوهرية حسب الأهمية، خصوصا تلك التي تمس المرأة ولا تثير حزازية أو تشعر المواطن بسخف العضوات، وهي متعددة مثل وضع الأرامل والمطلقات، فهذه الشريحة تواجه أصنافا وأنواعا من الذل والنكران والهوان في مجتمع مسلم، حيث وجدن أنفسهن بين نارين، إما أن يقبلن بالعيش بذل عند رجل لئيم يستغل آدميتهن أيما استغلال، وإما أن يواجهن غضب المجتمع وتساؤلاته: لماذا هي مطلقة؟ ولماذا هي أرملة؟ يواجهن صنوفا من العذاب يضطر بعضهن إلى مقايضة حاجتهن في البقاء والحياة بأثمن ما تملكه المرأة. أتمنى من عضوات مجلس الشورى أن يركزن على مثل هذه الجوانب وأن يسعين بأنفسهن إلى الحصول على إحصائيات عن عدد الأرامل والمطلقات ويقمن بتحليل الأعداد ومقارنتها واستخدام ما يعلمنهن لطالبتهن في الجامعات من أدوات إحصائية لتوثيق وقياس مصداقية المعلومات. ثم يدعمن هذا بزيارات ميدانية لشريحة من الأرامل والمطلقات، خصوصا في البيئات النائية، ويوثقن ذلك بالصور الحية والأفلام الموثقة ليعلم مجلس الشورى والرأي العام السعودي ما يحدث للمرأة في الظلام وبين الأكوام وبعيدا عن أعين الأنام. هذه قضية واحدة فقط وهناك قضايا لا تقل عنها أهمية مثل عضل البنات واستغلال القاصرات وترويج المخدرات بين النساء والبنات، ولا تقل لي إن المخدرات غير سائدة بين شريحة من بناتنا ونسائنا، فهذا موثق ومشاهد في وسائل الإعلام ولم يعد الأمر في طي الكتمان، فقد بين سماحة مفتي عام المملكة مثل هذه الظواهر في خطبة الجمعة من الأسبوع الماضي وحذر سماحته من خطر عضل البنات وانتشار المخدرات. هذه هي أهم الموضوعات التي يجب أن تناقش في مجلس الشورى أما قضايا الترف والطبقة المخملية فليست أهلا لأن يفرد لها مجرد اجتماع واحد. وفي الختام أتمنى لعضوات مجلس الشورى أن يكن عند ثقة من يمثلن وأن يقضين جزءا كبيرا من وقتهن في الحصول على المعلومة المجردة، فبدون معلومات لن يصلن إلى قرار رشيد، فمشكلة فشل اللجان والمجالس بشكل عام أنها تحاول أن تصل إلى القرار دون أن تكلف نفسها عنا البحث عن المعلومة المجردة.
إنشرها