Author

تجربة ضواحٍ سكنية متكاملة

|
الأحد الماضي، وفي طريق عودتي للوطن مررت بالعاصمة البريطانية لندن، "حجة بحاجة"، الأولى رؤية نور عيني ابنتي نور التي قاربت على التخرج، أما الثانية فقد استغللت الوقت لعقد اجتماع عمل في فندق مجاور لمقرر سكننا، حيث كان الاجتماع مع سيدتين تربطنا شراكة عمل مع الشركة التي يعملون فيها، وفيما نحن نناقش ما يخص العمل، تطرق الحديث إلى مسكنهم وكم يبعد عن موقع العمل، فقالت الأولى: إن مسكنها يبعد نحو الساعة من مقر عملها، أما الثانية فقالت إنه يبعد نحو الساعة والنصف، ودون تردد سألتهم: ألا يضايقكم أو يثنيكم هذا البعد وعناؤه عن الاستمرار بالعمل بسبب طول المشوار اليومي ذهابا وإيابا من وإلى العمل، ودون تردد أتتني الإجابة من كلتا السيدتين بلا، فالقطارات مجهزة وتقلنا من قرب مساكننا إلى مسافة بسيطة جدا من مكاتبنا التي نعمل فيها، ونستغل الوقت خلال رحلتنا بالقطار أما بالقراءة أو إنهاء بعض الأعمال، خصوصا مع تطور شبكات الاتصالات في الوقت الحالي، وقالت السيدتان بعد المسافة يعود لكونهما تسكنان في ضواحي المدينة، وهذا ليس يعني أنه ليس هناك سكن مميز، بل على العكس هناك سكن متطور ومميز وبعيد عن صخب المدينة، وبالتأكيد تتوافر حوله أيضا جميع مستلزمات الحياة من تعليم وصحة وغيرهما من المستلزمات التي يحتاج إليها أي إنسان. قادني ذلك الحديث إلى مشكلتنا الكبيرة في عدم توافر المساكن وارتفاع الإيجارات المستمر، ووزارة الإسكان تصرخ أن عدم توافر الأراضي هو السبب في عدم توافر المساكن، والكثير من المواطنين يشتكون من محتكري الأراضي، وأنهم هم السبب في قلة العرض، وبالتالي ارتفاع أسعار الأراضي إلى مستوى خيالي مع ما تتمتع به المملكة عموما من مساحات شاسعة.. من وجهة نظري، هنا مع توسعنا في استخدام القطارات يجب أن نحرص على تشعب مساراتها ونخطط لذلك باحترافية، ومن ثم بدأنا تجربة إنشاء ضواح سكنية في وطننا الذي لا تنقصه المساحات الكبيرة من الأراضي في الصحاري، وحاولنا تخيل إنشاء هذه الضواحي بالشراكة مع القطاع الخاص، فمثلا البنية الأساسية توفرها الوزارات المعنية كالمدارس والمستشفيات والمراكز الأمنية والخدمية، من خلال مظلة إمارات المناطق كمرجعية متكاملة لكامل فكرة المشروع، والجزء الآخر منها ننشئ فيها مساكن من خلال وزارة الإسكان، إلى جانب مشاركة القطاع الخاص من خلال بيعه جزءا من الأراضي ليطورها ويقيم عليها إسكانا بمستويات مختلفة تناسب ذوي الدخول الأخرى، ووضعنا شروط بيع للأراضي الاستثمارية لاستخدامات محددة توفر كل ما يحتاج إليه الساكن، وفي الوقت نفسه نسقنا مع كل الجهات الاقتصادية أن تتوافر فرص عمل لحد ما اعتمادا على الميز النسبية، خصوصا هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المزمع إنشاؤها، وأكدنا أن القطارات تصمم كي تخدم الهدف وتكون لها مسارات توصل الساكنين لأعمالهم في تكامل مع وسائل النقل العام الأخرى.. لنعمل على تجربة ذلك كمقياس في ثلاث مناطق في البداية، ومن ثم تعميم التجربة على باقي مناطق المملكة في حال نجاحها، لكن مع التأكيد أن تكون تلك المشاريع تحت مظلة إمارات المناطق واعتبارها الرئيس والمسؤول الأول عنها، ضمن ضوابط مركزية واضحة، يترك من خلالها الإبداع لمسؤولي المناطق في الأمور التفصيلية، وقبل ذلك نحدد لهم فترة معينة للإنجاز مع توفير الميزانيات المالية المطلوبة لتحقيق الهدف. إنني أكاد أجزم أنه لو تم تنفيذ مثل هذه المشاريع بالدقة والسرعة والجودة المطلوبة، فسنسهم بشكل كبير في تحقيق هدف توفير السكن لجميع المواطنين في جميع مدن المملكة ومحافظاتها، وفي الوقت نفسه حققنا عائدا ماديا للدولة مقابل ما تم استثماره في تطوير الضواحي وخففنا الهجرة للمدن الكبرى.
إنشرها