Author

حل مشكلات البلديات

|
تشدني المواضيع التي تدرس وتوثق جهود الدول في تخصيص القدر الأكبر من الخدمات وهو ما يعرف بـ Privatisation، وتفويض القطاع الخاص مسؤولية التنفيذ بدلاً من إدارات الحكومة، أي الــ Outsourcing. كلا المصطلحين أسهما في ظهور خدمات جديدة وتطوير القائم منها. كثيرة هي الدول التي اعتمدت هذه المفاهيم، وهو ما يجعل المنشآت تعمل دون أن تكلف الدولة، بل قد تتحول إلى الربحية التي تفتح آفاقاً جديدة للمنشآت لتعمل وتخدم المواطن. يعتمد القطاع الخاص في عمله على الربحية. تحويل النتائج إلى أموال بدلاً من معلومات رقمية بحتة لا يمكن التأكد من دقتها، هو ما يجعل الإنجازات أوضح ويضمن مواجهة الإخفاقات وإصلاحها. المستثمر يبحث عن الربحية، والدولة تهدف إلى تقديم الخدمة، فإذا وصلنا إلى نقطة التعادل التي تحقق غرض المستثمر وأهداف الدولة، نكون قد حققنا النجاح. يمكن تطبيق المفاهيم السابقة على أعمال البلديات بشكل دقيق. تحويل البلدية إلى وحدة ربحية بدلاً من وحدة تكلفة هو التوجه الصحيح الذي لا بد أن نتبناه في المملكة. تغيير المفاهيم القائمة وإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والبلدية باعتبار البلدية خادمة للمواطن، وتبحث عن رضاه، سيجعل كل موظفي البلديات يعيدون النظر في طرق تعاملهم ومفاهيمهم عن الخدمة العامة. هذا يعني دوراً أكبر للمواطن في تحديد الرؤية وإقرار الخطط التنفيذية ومراقبتها وتقييمها وتقويمها. إنه يستلزم أن يتحول منصب رئيس البلدية إلى الانتخاب بدل التعيين، كما يستلزم إعادة النظر في معايير انتخاب أعضاء المجلس البلدي. لكن الانتخاب يجب أن يتم بعد وضع مجموعة الواجبات والصلاحيات والمسؤوليات التي تقع على عاتقي رئيس البلدية وجهاز المجلس البلدي المنتخبين. انتخاب رئيس البلدية من بين مجموعة تنطبق عليهم شروط تحددها الوزارة هو العنصر الأهم في عملية إعادة الهيكلة هذه. يكون الانتخاب من حق جميع سكان المدينة وبناء على برنامج واضح يقدمه المرشح. كما يمكن أن يرشح أعضاء المجلس البلدي من بينهم من يكون رئيساً للبلدية، ويكون مسؤولاً أمام المجلس عن الخطط والبرامج والمشاريع الموجودة تحت إدارته، ويكون المجلس البلدي تحت نظر المواطنين الذين انتخبوا أعضاءه. تطوير الخدمات وخصخصتها وتفويض القطاع الخاص كلما يمكن من مهامها وتقديم الخدمة إلكترونياً يجب أن تكون هواجس أهم لهذه التنظيمات. يكون دور الوزارة هنا دورا رقابيا وإرشاديا وضامنا لتجانس ومستوى جودة الخدمات المقدمة. هذا الدور يمكن أن يسهم في تحقيق مفهوم التوازن التنموي بين مختلف مناطق المملكة بحيث يحصل المواطن في أي مدينة على الخدمات نفسها وبالجودة نفسها. يمكن أن تُعامل البلديات أيضاً بناء على قدرتها على تمويل أنشطتها ذاتياً دون العودة لخزانة الدولة. التمويل الذاتي يمكن أن يوجد مدناً نموذجية تستطيع تقديم خدمات مستديمة بغض النظر عن الوضع المالي للحكومة والبنود المعتمدة فيها. تتحول البلديات بهذا المفهوم إلى مالك يؤجر بنيته التحتية لمستثمرين مع وضع قواعد لا يمكن تجاوزها من قبل المستثمرين. هذه العملية يمكن أن تحقق أهدافاً كثيرة تشمل: - تقديم الخدمة للمستحقين فعلاً: نشاهد دوماً الكثير من الخدمات يستغلها البعض على حساب الآخرين، هناك من يوقف سيارته في مواقف أسستها البلدية لشهور، الأمر الذي يحرم المحتاج الآني منها. رأيت هذا في مدن كثيرة، السبب هو عدم وضع رسوم ملائمة لمثل هذه الخدمات تجعل المحتاج فعلاً يستفيد منها بينما يخرج مستغلوها بعيداً عن حرمان المواطن من الخدمة. - تقديم خدمات راقية: فخدمات دورات المياه المدفوعة مثلاً، تسمح بوجود خدمات نظيفة وراقية، يقوم عليها عمال نظافة على مدار الساعة، وهذا مفهوم الاستمرارية، إن إيجاد هذه الخدمة دون توفير الصيانة والعناية الضرورية ومع إهمال المستخدمين، يجعل الخدمات تسيء لوجه المدينة أو الطرق السريعة كما يلاحظ الجميع. - توليد خدمات جديدة: يسمح التنافس والنقاش والمتابعة للخدمات بفتح آفاق المجالس والبلديات لبحث حلول المشكلات والتعامل مع الصعوبات بأساليب لم تكن مطروقة في السابق مثل السيطرة على مناطق الازدحام المروري من خلال الرسوم أو التحكم في الحركة خلال ساعات الذروة بتخصيص مواقع للنقل العام. - التفاعل مع خطط الدولة: ومن أهم التوجهات الجديدة عملية توفير المترو في أكثر من مدينة، وهذا يسمح للبلديات بتقديم الخدمات بشكل متطور، وتشجيع المواطنين والمقيمين على الاستفادة من هذه الخدمات، من خلال خدمات راقية ومرنة وموزعة بشكل علمي. - ضمان مظهر راق للمدن: من خلال إعادة تنظيم الشوارع، وتوزيع المواقع الدعائية، وإعطاء الامتيازات للشركات الملائمة، ووضع القواعد المنظمة للفنادق والمتاجر والأسواق والمراكز التجارية، إضافة إلى التحكم في موديلات ونوعيات السيارات التي تجوب المدينة. يشمل هذا توزيع الأشكال الهندسية وإعطاء المفهوم العام للأحياء والمناطق السياحية والتجارية. - المحافظة على روح المدينة: وتشمل العناية بالآثار والمعالم السياحية والتاريخية في المدن، وإنشاء المتاحف. - دعم مصادر جديدة للدخل: وهو يشمل تنظيم المعارض والمؤتمرات والمهرجانات والمنافسات الرياضية والفنية. الأمر الأهم في كل هذا هو تحويل المدن إلى حواضر ذات شخصية واضحة تحافظ على تاريخها وتسهم في تطورها من خلال منظومة مستقلة مادياً تعتمد على ذاتها في تحقيق هذه الأهداف.
إنشرها