Author

الجهات الرقابية في حاجة إلى لجان مراجعة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
جاء قرار مجلس الوزراء بإنشاء وحدات للمراجعة الداخلية في الوزارات والمصالح والمؤسسات الحكومية، من أجل دعم عمليات الرقابة وتقييم الأداء وتعزيز النزاهة والأخلاق في العمل. ورغم صدور القرار قبل نحو عشر سنوات فإن كثيرا من المؤسسات والجهات التي أنشأت هذه الوحدة، لم تزل تتقدم خطوة وتعود أخرى، والموضوع برمته شائك ومتعثر نظرا لمشكلات كثيرة ليس أقلها ندرة المختص في هذا المجال، أو عدم رغبته إذا وجد، كما أن هناك عددا آخر من الجهات الحكومية لم تنفذ القرار، ولم تقم بإنشاء هذه الوحدة بعد. أضف إلى كل ذلك أن عديدا من المؤسسات والجهات الحكومية تكتفي بتعيين مدير للمراجعة الداخلية فقط دون إمداده بعدد كاف ومناسب من الموارد البشرية المختصة أو المادية الضرورية، وفي أفضل الحالات يتم توفير وظائف إدارية صغيرة كمدير للمكتب أو موظف لأعمال السكرتارية، ليس لهم جميعا دراية بمهمام المراجعة الداخلية، بل ليس لديهم حتى الرغبة في معرفة ذلك. وإذا تجاوزنا كل هذا فإن المشكلة الشائكة العصية على الحل تبقى في أن المسؤول الأعلى للجهة الحكومية هو وحده من يختار المراجع الداخلي، وهو منفرد بلا مساءلة يقوم بتعيينه وعزله، كما أن مدير الشؤون المالية يناقش المراجع الداخلي في ميزانيته ويعدلها، ومدير التطوير الإداري يفرض عليه وعلى موظفي الوحدة الدورات التدريبية، ويقيد عليهم حضور المؤتمرات وتنمية القدرات، وهذا كله يهدد استقلال وحدة المراجعة ككل وموضوعية أعمالها، وبالتالي الثقة بها، بل الحاجة إليها من باب أولى. فالمفترض أن يتولى كل ذلك مجلس أو لجنة مختصة، وليس شخص بذاته. لكن غياب المجالس الإدارية في كثير من المؤسسات الحكومية والوزارات والدوائر، يعوق تنفيذ هذا الإجراء، لذا استحالت قضية إنشاء الوحدة صداعا مزعجا يهدأ فقط مع تعيين المراجع الداخلي، حتى ولو لم يكن له مقر أو كان يباشر مع أعمال المراجعة أعماله السابقة في الوقت نفسه، كما هو معتاد. حتى الآن لا توجد وسيلة واحدة للتأكد من جودة وسلامة أعمال المراجعين الداخليين في المؤسسات الحكومية على تنوعها، ولا توجد أي وسيلة تحمي المراجع الداخلي من تسلط الإدارة العليا أو الإدارات المماثلة لأي سبب. وفي جانب آخر، من المشكلة تظهر العلاقة الشائكة والمعقدة بين الجهات الرقابية بعضها ببعض من جهة، وعلاقتها مع وحدات المراجعة الداخلية من جهة أخرى، كيف يتواصل المراجع الداخلي مع ديوان المراقبة وهيئة الفساد وهيئة الرقابة والتحقيق؟ ما الدور المطلوب لهذه الجهات لحماية المراجع الداخلي وتعزيز استقلاله؟ كنت أعتقد - وما زلت مؤمنا - بأن وحدات المراجعة الداخلية يجب أن تتبع ديوان المراقبة العامة، ذلك لأنني مؤمن بأن ديوان المراقبة يمثل المراجع الداخلي الرئيس لكل الجهاز الحكومي بتنوع مؤسساته. الوضع الحالي مختلف تماما، فوحدات المراجعة الداخلية تتبع جهاتها، والجميع يعتبر ديوان المراقبة العامة جهة خارجية، وهنا مكمن الخطأ في نظري، وهو الذي خلق كل هذه الإشكاليات. وعلى كل حال فإن بقاء الوضع الحالي كما هو لا ينقض المعادلة برمتها، لكن يمكن إضافة متغير جديد يستطيع أن يسهم في حل جميع المتغيرات المتداخلة؛ هذا المتغير هو لجنة للمراجعة في الأجهزة الحكومية. لقد أثبتت تجربة لجان المراجعة نجاحها في مؤسسات القطاع الخاص - رغم المشكلات التي لم تزل قائمة - حيث تشرف بشكل فاعل على أعمال المراجعة الداخلية في الشركات، وتقييم الأنظمة الرقابية وتحلل القوائم المالية، وهي التي تعمل على ترشيح المراجع الداخلي والخارجي وتحدد مسؤولياتهما وأتعابهما، كما تعمل على تنسيق الجهود فيما بينهما، وتضمن استقلال المراجع الداخلي وتشرف على ذلك. لكن هذه التجربة لم تجد طريقها بعد إلى مؤسسات القطاع الحكومي لدينا. في هذا المقال والذي يليه دعوة إلى إنشاء لجان للمراجعة الداخلية في جميع المؤسسات والوزارات الحكومية، تشكل من عضو من ديوان المراقبة العامة، وعضو من الجهة أو الوزارة، وعضو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وعضو من هيئة الرقابة والتحقيق وخبير خارجي. تهدف هذه اللجان إلى الإشراف الفاعل على أعمال وحدات المراجعة الداخلية، فتعتمد نظامها وترشح المراجع الداخلي، وهي التي تقوم بتعيينه وعزله بعيدا عن ضغوط الإدارة العليا، كما تعمل على دعم أعمال وحدات المراجعة الداخلية وخطتها الاستراتيجية، وضمان توافر الكوادر الكافية والموارد المادية اللازمة لإنجاز أعمالها، وتناقش المراجع الداخلي في برامجه وخطط المراجعة وأعمال تقييم المخاطر وغير ذلك. كما ستعمل هذه اللجان - إذا أقرت - على تنسيق الجهود بين أعمال وحدات المراجعة الداخلية من جهة والمؤسسات الرقابية من جهة أخرى، كما يمكن للمؤسسات الرقابية من خلال وجودها في هذه اللجان تنسيق وتوحيد الجهود فيما بينها بخصوص أعمال الرقابة التي تتعلق بالجهة، ما يقلل الازدواج الرقابي ويخفض تكلفته مع الحفاظ على الجودة، كما يمكنها توجيه أعمال وحدات المراجعة الداخلية نحو قضايا المخاطر ونقاط الضعف التي تهم هذه الجهات بشكل خاص، أو المجتمع على وجه العموم. كما سيكون لها الاطلاع على التقارير التي يرفعها المراجع الداخلي إلى الإدارة العليا، وأي خلاف قد ينشأ من ذلك، وستعمل على تقييم جدية المؤسسات في تنبي ملاحظات المراجع الداخلي وتصحيح الانحرافات بناء على توصياته.
إنشرها