Author

وهم التسعير .. ما الحل؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
في ظل الغلاء الفاحش، نادى منادون، ربما كانوا الأكثرية، بتسعير كل شيء تقريبا. والتسعير يعني حق السلطة في وضع الأسعار وإجبار البائعين ونحوهم على القبول بها. هل الغلاء أمر جديد؟ طبعا لا. هل التسعير حل مناسب؟ في الغالب لا. الناس متدينون ويقنعهم النقاش الديني، أكثر من النقاش المبني على منطق علم الاقتصاد. عن - أنس رضي الله عنه - قال: غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الناس: يا رسول الله، غلا السعر، فسعر لنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ''إنّ الله هو المسعر القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال''، رواه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن حبان. اختلف الفقهاء في حكم التسعير، فالأغلبية، حسب علمي، تحرم التسعير عموما، وقلة تبيحه عموما، وفئة ثالثة توسطت. ومن أشهر المتوسطين الإمام ابن تيمية - رحمه الله. قال في كتابه ''الحسبة'': ''فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر، إما لقلة الشيء وإما لكثرة الخلق، فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها، إكراه بغير حق .. وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل‏:‏ فهو جائز، بل واجب‏''. عبارات ابن تيمية ليس لها حدود مقدرة، ومعايير محددة شرعا. لم يرد في النصوص الشرعية تحديد للحاجة أو المثل أو كيفية التسعير وما تأثيراته، بل تركت الإجابات إلى العرف والخبرة والمعرفة الفنية والبحث والنظر العقلي الكوني. الكلام ينطبق على تفسيراته - رحمه الله - لأسباب ارتفاع السعر. مثل هذه التفسيرات مصدرها الكون والخبرة والبحث والنظر والدرس باستخدام عقولنا. وقد يرتفع السعر لعامل خارجي مثل انخفاض سعر الصرف، أو رفع السعر من قبل المصدر في حالات الاستيراد. وترتفع الأسعار أيضا مع السنين بسبب عامل تضخم العرض النقدي في عصرنا. تولد كميات كبيرة من النقود، سواء عن طريق السلطة أو عن طريق المصارف، دون لزوم أن يقابل ذاك زيادة المعروض من السلع والخدمات. هذا ليس بتنظير محض، بل يحدث في الواقع. كيف يحدث؟ يعتمد على قدر المنافسة. علينا أن نفرق بين السلع في سوق تنافسية وسوق غير تنافسية. في النوع الأول لا يمكن أن ينسب الغلاء إلى أناس بعينهم. إذ كيف يتصور عقلا تواطؤ الآلاف الذين ليس بينهم علاقة، على رفع السعر؟ في هذه الحالة، لا يحبذ قيام السلطات بالتسعير في حال ارتفاع الأسعار. وقد يسعر في نطاق ضيق جدا، ولفترة مؤقتة. وامتناع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن التسعير رغم الغلاء، تفسيره الأقرب أن السوق تنافسية. أما في حالة السلع غير التنافسية فينبغي على السلطات التدخل، ولن أفصل في هذا أكثر، لضيق المجال.
إنشرها