Author

التنمية قراءة إنسانية

|
التنمية مفهومها الشامل هو ملامسة كل الاحتياجات الإنسانية والمكانية، وبما يرقى بثقافة العمل والتعامل والتواصل وتعزيز الأصالة وتبني التوجهات الحديثة في العلاقات الإنسانية والتقنيات، وأنظمة التطوير المكاني العمراني وغيرها، وكثير من المهتمين في مجال التنمية لا ينظرون للبعد الإنساني كأساس للتنمية، ولهذا دائما نسمع: التنمية العمرانية , التنمية الاقتصادية , التنمية الاجتماعية، التنمية البيئية، وغيرها، وكلها تركز على متطلبات الفرع دون النظر للقيمة الإنسانية في التنمية، فمثلا التنمية الاقتصادية تعزز من ثقافة الشركات التنموية بين الاقتصاديين دون الاهتمام بالبعد الإنساني في التنمية الاقتصادية، وكذلك التنمية الاجتماعية تغيب البعد الإنساني في التنمية ويكون التركيز على معالجة الظواهر بأسلوب تنموي غير إنساني. إن الاهتمام بالتنمية الإنسانية في كل الأبعاد التنموية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية وغيرها، سيحقق سبقا تنمويا غير مسبوق ولو عدنا إلى ديننا الإسلامي الحنيف نجد أنه ركز بشكل واضح وصريح ومباشر على الاهتمام بالإنسان كمحور للتنمية، وجاء هذا الاهتمام في تعزيز العلاقة الأسرية داخل الأسرة الواحدة من خلال أسلوب التعامل والتعاون بين الأب والأم والأبناء "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الآية. وجاء الأمر في رعاية الأبناء والحفاظ على أرواحهم "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا" الآية. ثم جاء التأكيد على العلاقات الأٍسرية المجتمعية ضمن سكان الحي الواحد لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام" :" مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" وقوله عليه الصلاة والسلام "(لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)" هذه التوجيهات وغيرها كثير تقودني إلى التأكيد على أهمية الالتفات إلى البناء الإنساني السليم قبل وأثناء البناء المكاني الخرساني، لأن حماية التنمية تتطلب حسن التعامل والتجانس معها. إن الاستفادة اليوم من كل تقنيات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها "تويتر" تمنحنا الفرصة الأساسية والسريعة لتحقيق ذلك وتعزيز البناء الإنساني السليم حتى نقدم للعالم نموذجا سعوديا، عربيا، إسلاميا وعالمي الرؤية والتوجهات، يؤكد فيه على احترام حقوق الإنسان بمفهومها الشامل المتمثل في حقوق الزوجة والزوج والأبناء والوالدين والجيران وصيانتها من التعسف في التعامل، وهو ما يعزز من صلة التراحم والتواصل الاجتماعي السليم. إن تحقيق التنمية الإنسانية يتطلب وضع الرؤية ورسالتها وأهدافها وبرامجها التنفيذية آخذين من ذلك الكتاب والسنة وما يحتويانه من توجيهات ذات صلة مباشرة وغير مباشرة في كل ما يتعلق بالتنمية البشرية الإنسانية التي مع الأسف الشديد نتزاحم تنمويا في عدم الأخذ بها ونخطئ عندما نعتقد أن التنمية الاجتماعية وفقا لأغلب ما نعمله اليوم هي ذات بعد إنساني كما أمرنا ربنا - سبحانه وتعالى - وفي هذا السياق سوف أذكر بعض النماذج التي توضح وجهة النظر هذه، فمثلا من التجارب التي يتم تبنيها في مجال المسؤولية الاجتماعية إنشاء دور العجزة والأيتام والمعوقين وحماية الفتيات، وغيرها من البرامج التي أخذناها وفقا للمفهوم الغربي للرعاية الأسرية وخطورة هذا النموذج أنه يعزز الفجوة بين أفراد الأسرة الواحدة وتصبح مثل هذه المؤسسات والرعايات ذات أثر سلبي كبير على أفراد المجتمع، ومثلا عندما يكبر آباؤنا وأمهاتنا ثم لا نستطيع رعايتهم والاهتمام بهم وفق معطيات الحياة اليومية المبنية على العلاقات المادية وضعف العلاقات الأسرية وبركة وجودهم بيننا، فإننا بذلك نوجد وبدون قصد مركزا للقضاء على ما بقي من حياتهم في مثل الملاجئ التي يتحول الإنسان منها إلى ما نسميه" شيئا "أو" غرضا" بمعنى أنه إنسان لا قيمة له يوضع على الرف انتظارا للموت ونحن في واقعنا في أمس الحاجة لهم للعيش بيننا لتحقيق الدفء الأسري ويعزز من ترابط الأخوان والأخوات والأحفاد والأعمام والأخوال إلى آخر القائمة الأسرية التي تفقد تألقها واجتماعها بفقد كبير السن الجامع لهم, ولهذا فإن مثل كبار السن يعتبرون عمود الأسرة وعنصرا أساسيا للقائها وتحقيق الإنسانية حولها وفيها، وهذا الأمر ينطبق على بقية أفراد الأسرة ومنهم أيضا على سبيل المثال المعوقون من الأطفال والكبار وأهمية وجودهم ضمن الأسرة لتحقيق الاحتواء وتعزيز البعد الإنساني في التنمية البشرية، ولهذا فإن الالتفات إلى تعزيز وتأصيل التنمية البشرية يعتبر العنصر الأهم في كل التنميات المختلفة التي تقع ضمن مفهوم التنمية الشاملة، ولي بـ - إذن الله - عودة لهذا الموضوع لمزيد من الإيضاح في ظل المتغيرات التي نعيشها وتؤثر فينا، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
إنشرها