Author

الحصانة للهيئة

|
صرخ أمين المنطقة في وجه مواطن, فـ ''استلمته'' مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد والقديم. عرض شريط طرد المواطن في الـ ''يوتيوب'' وكل قناة ممكنة. توقع الجميع أن يكون هناك عقاب رادع لمثل هذه السلوكيات، لكن لم يحدث شيء. استمر آخرون في '' بهدلة '' المواطن لأنهم أمنوا العقوبة. تطورت الحالة عندما دخلت وزارتا الصحة وهيئة الغذاء والدواء في جدل حول أدوية ''مضروبة '' دخلت المملكة وادعى كل منهما أنه الذي حمى الوطن منها. ثم جاءت الحالة الأكثر سوءاً وهي التعدي على الجهات الرقابية كالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة، هذا الخلل مرفوض من ناحية المبدأ، فالجهاز الرقابي يجب أن تكون له حصانة. تبذل الدولة جهوداً كبيرة لضمان حسن الأداء. ولا يكاد يخلو لقاء لخادم الحرمين الشريفين أو كلمة أو اجتماع من التأكيد على روح الشفافية والمحاسبة والرقابة وضمان حسن أداء الأجهزة الحكومية كافة. يتكلم الملك دائماً عن أهمية المواطن وضرورة الاهتمام به وتقديم أفضل الخدمات والمشاريع له في مختلف المجالات. يتضمن التوجيه دوماً أن تتعامل الجهات الحكومية مع الهموم اليومية والمعاناة التي يعيشها المواطن في مجالات عديدة. أنشأت الدولة وزارة خاصة بالإسكان لضمان حل معاناة المواطن، ودعمتها بمبالغ تعتبر خيالية مقارنة بما يتم ضخه في ميزانيات دول كثيرة أخرى. يتفق بعضنا مع أسلوب وزارة الإسكان في صرف هذه المبالغ التي تصل إلى 500 مليار ريال، ويختلف آخرون، لكن هذا لا يحصنها من الرقابة من جهات رسمية ومن الإعلام، وفوق كل ذلك من خادم الحرمين الشريفين. دعمت الدولة مرافق التعليم والصحة بمبالغ كبرى أيضاً في سعيها الذي لا يتوقف عن ضمان أفضل تعليم وأفضل خدمات طبية للمواطن. تتجاوز اعتمادات المرفقين 40 في المائة من الميزانية العامة للدولة، ولا نزال نشاهد الكثير من التقارير التي تشير إلى سوء الإدارة أو هبوط مستوى الخدمة في هذين القطاعين الحيويين. تنامى اهتمام الدولة بمشاريع النقل، وبلغت في ميزانية هذا العام نسبة غير مسبوقة, حيث رصد لها 235 مليار ريال. هذا القطاع الحيوي الذي يعتبر أحد عناصر نهوض الدولة وعلامات التقدم في كل دول العالم، لا بد أن يكون تحت طائلة الرقابة في المجالات المالية والإدارية والجودة. يعني هذا أنه لا يوجد قطاع محصن ضد الرقابة، ويجب أن يتعاون الجميع مع هذه الأجهزة ما دام يقدم خدمة عامة. إلا أن قطاعات الخدمات البلدية التي تصدرت مخالفاتها تقارير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد - بسبب ارتباطها المباشر بحياة المواطن اليومية - خالفت كل قواعد التعامل مع الجهات الرقابية، فرغم أن القطاع يعتبر مستقلاً في كثير من دول العالم لأن أغلبية مدن العالم تمول خدماتها وأنشطتها ومشاريعها من الإيرادات التي تحصلها من التصاريح والأجور والرسوم التي تفرضها على ما تقدمه للمواطنين. إلا أنها تستنزف مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة في المملكة. هذه البلديات التي يجب أن تعتمد على ذاتها وتكون خارج نطاق مصروفات الدولة, تحولت إلى كيانات تتحدى الجهات الرقابية وتتبادل الاتهامات معها وتحرج نفسها بطريقة غير مفهومة بالنسبة لكثير من المواطنين وأنا واحد منهم. يتذكر الجميع السجال الذي كانت أطرافه بلديتي الجوف وعنيزة مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وقبله كانت سجالات من النوع الذي صدرت به مقالي. هذا الجدل أوجد عدداً من الأسئلة المهمة: - فإذا كان من حق الجهات الرقابية أن تعلن عن المخالفات التي تراها، لماذا نرى تشنج الكثير من المسؤولين؟ - لماذا لا تعمل الجهات على حل المخالفات بدل الدخول في مهاترات لا يستفيد منها المواطن، ولا تزيد سمعة المنشأة إلا سوءاً؟ - كيف يمكن أن يتناول مسؤول في أي قطاع خدمي بالإهانة أو التجاوز أيا من الجهات الرقابية التي تقوم بعملها الذي أوكله إليها ولي الأمر، ويشخصن القضايا، أو يتناول موظفي الهيئة وسلوكهم وأسلوب عملهم بالاتهام أو ادعاء تقصيرهم في أداء المهمة الموكلة إليهم؟ - لماذا لا تمنح الأجهزة الرقابية الحصانة التي تمكنها من أداء عملها بالطريقة التي ترضي الله، وتحقق توقعات الدولة وتوقعات المواطن؟ - ألا يؤدي هذا السجال والسكوت عنه إلى تقويض سلطة الجهات الرقابية وجعلها تتهرب من أداء مهامها خوفاً من ردود الأفعال؟ - ألا يؤدي هذا التمادي في التعامل مع الجهات الرقابية، خصوصاً الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والسكوت عليه إلى انتشار هذا الأسلوب في قطاعات أخرى، لتقتل جهود البحث عن جودة الأداء؟ تأتي في الإطار نفسه شكاوى ديوان المراقبة العامة من عدم تعاون الكثير من الجهات التي تخضع للرقابة في تقديم المعلومات وتفادي الأخطاء وإصلاح الملاحظات. إن وجود جهة رقابية دون صلاحيات وصفة لنشر سوء الأداء. يجب أن تكون للجهة الرقابية صلاحية الإيقاف وإلغاء تعاملات الجهات المخالفة التي لا تتعاون مع الديوان، وما لم يتم ذلك فالديوان عبارة عن جهة تنفيذية روتينية غير قادرة على تحقيق أهدافها. تعاني إدارات المراجعة الداخلية التي تم تشكيلها في كل وزارة وهيئة وإدارة مستقلة مشكلة الارتباط برئيس الجهاز الذي تراجع تعاملاته. يلاحظ المراقب لأداء هذه الإدارات في الوقت الحاضر أنها شبه معدومة، أو أنها تقع في منافسة غير عادلة مع الإدارات العامة للشؤون المالية في أفضل الأحوال، ما يجعلها مستودعاً للموظفين دون فائدة حقيقية، فهذا أيضاً ربط لجهة رقابية بجهة تنفيذية، وهي الوصفة التي يحذر منها كل خبراء الإدارة. يبقى أن أؤكد ضرورة استقلالية كل الجهات الرقابية في الدولة بحيث ترتبط فعلاً بمجلس الوزراء في كل شؤونها المالية والإدارية، خصوصاً فصل عملية إقرار ميزانياتها عن الجهات التنفيذية كوزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية، ذلك أن هذين العنصرين يحدان من قدرة الجهات الرقابية على تحقيق الغرض المطلوب منها.
إنشرها