مدارس لندن تعلِّم الطريق إلى النجاح

مدارس لندن تعلِّم الطريق إلى النجاح

تحسنت مدارس لندن بسرعة كبيرة للغاية خلال السنوات العشر الماضية، لدرجة أن حتى الأطفال الذين يعيشون في أفقر أحياء المدينة بإمكانهم توقع أن يبلوا بلاءً حسنا أكثر من التلميذ ذي المستوى المتوسط الذي يعيش خارج العاصمة.
وقد كشفت إحدى المقالات التحليلية في ''فاينانشال تايمز'' لنتائج امتحانات المدارس المجانية خلال السنوات العشر أن الحياة في هذه المدينة الآن تمنح أطفال العاصمة ميزة لا يملكها التلامذة الذين يعيشون في أماكن أخرى، وتحدد الصعوبات البالغة التي سيواجهها التحالف خارج العاصمة خلال تحقيقه لهدفه المتمثل في رفع الحراك الاجتماعي في مجال التعليم.
وبالنظر للتحصيل في مواد اللغة الإنجليزية، والرياضيات، والمواد الثلاث الأخرى في نظام الشهادة العامة للتعليم الثانوي ''جي.سي.إس.إي'' نجد أن التلامذة في أحياء المدينة المائة يحصلون على تقديرات تفوق المستوى المتوسط في أكثر من خمس مواد، وهي درجات أقوى من درجات الطفل ذي المستوى المتوسط الذي يعيش خارج لندن.
وإلى جانب تحقيق درجات أعلى، أغلقت لندن أيضا الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وفي عام 2003، كان يتوقع أي طفل يعيش في حي من أغنى 25 في المائة في الدولة أن يكون أفضل من أي طفل في الحي الأكثر حرمانا بفارق درجة في خمس من مواد شهادة ''جي.سي.إس.إي''، والآن يقتصر الأمر على درجة في ثلاث مواد.
أما خارج لندن، فإن هذه الاختلافات تكون صارخة أكثر، حيث يكون الاختلاف المكافئ بين الأغنياء والفقراء بالنسبة لباقي مناطق إنجلترا هو درجة في ست من مواد شهادة ''جي.سي.إس.إي''. ولا تزال هذه الفجوة كما كانت في عام 2003، بعد ضبط التغيرات في معدلات النجاح في شهادة ''جي.سي.إس.إي''. وتعدّ مدينة يوركشاير ومنطقة نهر هامبر أضعف مناطق المدارس في الدولة، حيث يتوقع التلامذة الذين يعيشون في بلدة ويستمنستر في مدينة لندن أن يكونوا أفضل من الأطفال الذين يملكون خلفية اجتماعية مشابهة ويعيشون في مدينة هال بفارق يزيد على درجتين في كل مادة منفردة.
وتعد مدينة يوركشاير ومنطقة نهر هامبر أيضا المنطقة الأكثر اتساما بانعدام المساواة في إنجلترا، حيث يتوقع الطفل المستحق للحصول على وجبات مدرسية مجانية هناك أن يكون أقل من زملائه الآخرين في الدراسة بأكثر من درجتين في ثلاث مواد.
والفجوة في لندن هي درجة في أربع من مواد شهادة ''جي.سي.إس.إي''. وقال سيمون بورجيس، أحد أساتذة جامعة بريستول ومدير مركز السوق والتنظيم العام: ''إن فهم سبب كون التحصيل أكثر ارتفاعا بكثير في لندن هو من أكبر التحديات أمام الأبحاث في هذا المجال''.
وبعض مميزات المدينة ليس قابلا للتكرار بسهولة. ويذكر كبار المسؤولين في وزارة التعليم أن خارج العاصمة يوجد المزيد من الفقر طويل الأجل وطموح أكثر انخفاضا بالنسبة للأطفال.
ويذكرون أن المدارس البعيدة عن لندن تكافح غالبا كي توظف مدرسين وقيادات في المدارس.
وتستفيد لندن من إحدى مظاهر تدفق أطفال المهاجرين الذين يعملون بمستوى فوق المتوسط ويعززون عادة نتائج المدارس. ولكن، حتى أطفالها البريطانيون البيض الفقراء، المعروفون باعتبارهم المستحقين لوجبات المدرسة المجانية، يبلون بلاء حسناً، وبمقدورهم توقع أن يكونوا أفضل من الأطفال البيض الفقراء الذين يعيشون خارج المدينة بفارق درجة في ثلاث مواد.
ومنذ أوائل القرن الواحد والعشرين تم استخدام المدينة مكاناً لاختبار مجموعة من الإصلاحات التي تمت في سياسة المدارس القومية. وقد بدأت ''تيتش فيرست''، وهي مؤسسة خيرية توظف خريجين يعملون بمستوى أعلى من المتوسط للعمل بالمدارس في لندن منذ عقد من الزمان.
وكانت المدينة مقراً لحركة ''ادعم الأكاديمية''، والتي في ظلها تحولت المدارس المجانية الفاشلة إلى مدارس ناجحة بواسطة بعض مجموعات القطاع الخاص.
وتتركز هناك أفضل السلاسل الأكاديمية، مثل مدارس آرك، ولكن نجاح العاصمة لا يقتصر على اتباع هذه التدخلات.
ويعزو كريس هسباندس، مدير معهد التعليم في لندن، الكثير من نجاح المدينة إلى جعل المدرسين يتبادلون أفضل الممارسات بين المدارس، وهي سمة يلحظ وجودها في أنظمة التعليم الرائدة في العالم.
وقال السيد هاسباندس: ''إذا كنت مدير مدرسة في فنلندا، ستقضي ثلث وقتك في العمل خارج مدرستك، بحيث يكون من الممكن أن تتحرك أفضل ممارسة خلال النظام''.
وتجرى عملية مماثلة الآن عبر الكثير من مدارس العاصمة.
ويشير السيد هاسباندس إلى أن جذور هذه الممارسة توجد في ''تحدي لندن''، وهي خطة على مستوى المدينة دققت في شؤون المدارس للتعرف على جوانب الضعف بها وحلّها، في الفترة ما بين عامي 2003 و 2010.
وجمعتهم أيضا مع شركاء مناسبين للتعاون في مجال التدريب.
وكان سير مايكل ويلشو، كبير مفتشي التعليم، أيضا أحد المعجبين بهذه السياسة، التي تم إنهاؤها من قبل الائتلاف في عام 2010.
وقد قال لـ''فاينانشيال تايمز'' في العام الماضي: ''إن لندن لم تكن مكانا جيدا يتواجد فيه المرء في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، والآن هي واحدة من أفضل الأجزاء أداءً في الدولة بسبب خطة تحدي لندن''.

الآمال العظيمة تساعد على مواجهة أسباب الفشل

تحتل المدرسة الثانوية التابعة لكنيسة القديس أوغسطين في شمال لندن مكانة مهمة في المناطق الحضرية ولكنها تعرضها للانتقاد، حيث يمثل أولئك المستحقون لوجبات المدرسة المجانية 62 في المائة من تلامذتها، والذين يتحدثون الإنجليزية كلغة ثانية 77 في المائة، وذوو الاحتياجات الخاصة 37 في المائة.
وبما أنها محجوبة بمباني كاليبورن المرتفعة الحديثة، فإن لديها أسبابها التي تفسر أداءها السيئ، فالمدرسة آمنة، ولكن الحي ليس كذلك. وقال يوجين موريارتي، مدير المدرسة: ''جلست هنا في اجتماع في الساعة الثالثة مساءً في إحدى فترات بعد الظهر في الصيف، عندما انطلقت أربع أعيرة نارية''.
ولكن المدرسة تنجح، ففي عام 2012، حصل 67 من التلامذة على تقدير فوق المتوسط أو أفضل في اللغة الإنجليزية والرياضيات وثلاث مواد أخرى، وهو المستوى القياسي للإنجاز على المستوى القومي. وتعدّ مدرسة القديس أوغسطين أعلى بكثير من المعدل المتوسط القومي بنسبة 58 في المائة.
وهذا يعكس الآمال العظيمة في المدرسة، والتي تتجسد في مزار سير برادلي ويجنز، أحد قدامى المتخرجين في المدرسة. ويقول السيد موريارتي: ''إنه حقا مصدر إلهام جيد للأطفال، إنه الأفضل فيما يفعله''. ولكن نجاح مدرسة القديس أوغسطين لا يتعلق فقط بالآمال العظيمة، حيث يتخلى مدرسوها عن أمسياتهم لصقل مهاراتهم معا، وتبادل التصاميم المعدة للدروس فيما بينهم ومع موظفين من مدارس محلية أخرى. واختارت المدرسة إحدى الممارسات غير المعتادة من مدرسة أخرى في لندن، حيث تعرض علنية وثيقة معروفة باسم ''هايلاندر'' وهي قائمة يتم تحديثها باستمرار للدرجات المتوقعة في كل مادة لكل طالب خلال العام الذي يسبق جلوسهم لاختبارات مواد شهادة ''جي.سي.إس.إي''. ويحظى السيد موريارتي بدعم أيضا من مجلس طموح على نحو غير معتاد، وهو مجلس بلدة ويستمنستر، فقد وضعت البلدة هدفا متمثلا في أن 75 في المائة من أطفالها يجب أن يحصلوا على مستويات نجاح جيدة في خمس مواد من مواد شهادة ''جي.سي.إس.إي''، كما دفعت من أجل دروس إضافية يوم السبت للمساعدة.
وهذا هو نوع المجتمعات التي يريدها مايكل جوف، وزير التعليم، في المدارس، وهو يتمنى خلقها من خلال تمكين مديري المدارس عن طريق السماح للمدارس بأن تصبح ''أكاديميات''، أي مدارس مستقلة خارج نطاق السلطات المحلية تمول من المال العام وتديرها مجموعة خاصة لهدف معين، وتقبل فقط الطلاب الذين يتلاءمون مع معاييرها.
ومنذ عام 2010، اختارت 2.025 مدرسة أن تصبح أكاديميات، وقد كان الاندفاع في جزء منه بسبب إغراء المال، فالأكاديميات الثانوية المتوسطة تعتبر مالياً أفضل بسبب مبلغ بقيمة 90 ألف دولار هذا العام زيادة عما كانوا سيملكونه إذا كانوا قد ظلوا مدارس تابعة للسلطة المحلية.
ويؤمل مع هذا الحكم الذاتي المتزايد أن يكون مديرو المدارس هم الذين سيختارون الاستراتيجيات الأنسب، وأن يتم تحرير المدارس التي تدعمها مجالس أقل فاعلية كي تنجح.
ولكن هذه ليست نتيجة مؤكدة، فقد ذكرت لجنة خبراء خاصة بهذه السياسة تحت قيادة أحد كبار مفتشي المدارس سابقا في الأسبوع الماضي أن بعض الأكاديميات ''أشارت إلى أنها لا تريد التعاون.. فهو يصرفها عن النجاح الفردي''. وتشجع الحكومة الأكاديميات على تشكيل سلاسل ومنظمات تضم عدة مؤسسات، واتحادات، وتأمل في أن تسمح هذه التشكيلات ببقاء منافسة المدرسين مستمرين في توجيه تركيزهم وطاقتهم فيما يفعلونه، بينما توفر أنظمة يمكن من خلالها أن تتبادل المدارس أفضل ممارسة. ومنذ عام 2010، بدأ هيكل التعليم في إنجلترا يتغير بشكل كبير، وسيتحدد ما إذا كان سينجح، ولا يتم استبداله، من خلال سرعة تبادل الأفكار خلال نظام المدرسة، خاصة خارج حدود الطريق السريع، M25، الذي يحيط بلندن.

الأكثر قراءة