Author

قراءة العام الجديد لمصر وسورية

|
* أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 461 *** سأحاول اليوم أن أقدم حصيلة توقعات العالم الجديد 2013، بناء على ما حصل في العام الفائت 2012: * مصر: كانت مصر في عين العالم من بدء ثورة الشباب التي عرفت بالربيع المصري، وجاءت بعد ثورة الياسمين التونسية. غير أن ثورة الشباب المصرية كانت في حالة المخاض قبل ذلك، ولم تكن نتيجة للثورة التونسية.. ما صار بعد قيام الثورة أمرٌ عجيب حقا، وضاعت ماهيّة الثورة وشخصيتها، وهي أول ثورة شعبية حقيقية في مصر. فقد كان هناك ما يشبه الثورات قديما من أيام عرابي باشا، وسعد زغلول باشا، وكانت متماسكة من البداية حتى النهاية وإن كانت نجاحاتها ضيقة، إلا أنها اصطبغت بلون واحد. جاءت ثورة يوليو في عام 1952م ضد الملك فاروق، وإن كانت عسكرية قام بها شباب ضباط سموا أنفسهم الضباط الأحرار، بدت في البداية وكأن من يقودها ضابط أكبر من البقية هو محمد نجيب، ثم تبين أن الوجه الحقيقي للثورة هو جمال عبد الناصر .. إلا أنه لم يسل بها دماء، فقد قرر فاروق أن ينسحب بيخته ''المحروسة'' لليونان، حيث غيّبه التاريخ. ثم جاء السادات بتغيير انفتاحي ومنهجي مختلف عن حكم عبد الناصر الاشتراكي المبدأ والعروبي الثوري، وكانت هناك إرهاصات غضب خصوصا مع ظهور قوة الحركات الإسلامية، وانتهت بحادثة المنصّة الشهيرة. ثم حكم نائبه حسني مبارك وفتح مصر بالكامل للاقتصاد ولكن عن طريق مراكز قوى تجارية مربوطة مباشرة بالعائلة الحاكمة، التي لم تعد عائلة رئاسية فقط .. وهنا تبدأ قصة الثورة الحقيقية من شباب مصر وعن طريق لم يتوقعه كبارُ رجال الحكم ولا متنفذوه، جاءت نقية صافية مرتبة وسلمية من الشباب عن طريق تنظيم تحتي سبَق بمواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية، ثم نُظمت ثورةٌ تعد من أجمل الثورات على الأرض، جعلت رئيس حكومة الظل البريطاني يقف أمام الناس ويقول: ''لا، لم تعد هي المبادئ الغربية، بل مبادئ الثورة المصرية العظيمة''. على أي حال نقص الشباب المكرُ والدهاءُ السياسي، فأُخِذَتْ منهم ثورتُهم وهم يطالعون بكمَد، وتلقفتها الأيدي المحترفة الكبيرة، ثم غُمِر الشبابُ وضاعت أسماء من حرّكوها وصاروا في أحسن الأحوال حزباً صغيراً لا يسمعه أحد. مصر تمر بإرهاصات تكوين لم تتضح، فما زال هناك صراعٌ واضح: فئة تدعو لدولة علمانية، وفئة تدعو لحكومة إسلامية وتطبيق شريعة الإسلام كاملة. وسيستمر هذا العام صراعا يتطور بالتحديات أكثر من التظاهرات بعد إقرار الدستور الجديد على مراحل استفتائية كان الذكاء في آليتها لافتا، ومن قوته لم يتنبه له الكثيرون، فضمن أهلُ الدستور بالذكاء والدهاء غلبة التصويت، وليس بالتزوير، فقد صار صعبا، ولكن فعلا بالمناورة العقلية ليثبت الإخوانُ المسلمون أنهم سادة في المهارة السياسية المحترفة، ولكن النتائج هي التي لا يتحكم فيها أحد، وسيستمر في ظني هذا العام بمصر مصهورة لتتشكل، وكي تتشكل يجب أن يَجهَز قالبٌ توضع فيه لتخرج سبيكة متماسكة للبدء.. ونرجو ألا يستغرق سنوات أكثر. *** * سورية: سورية من أكثر الأوضاع تعقيدا، لا، ليس ما نراه في الساحة الآن، بل ما ستؤول إليه الساحة بعد رحيل الأسد. كانت سورية قبل عهد الانقلابات دولة كاملة التجهيز للحداثة العصرية، كانت ستصبح نمرا من نمور الصناعة ومنارات الفكر مثل نمور آسيا، وكانت ستتفوق عليها بعراقة التاريخ والثقافة، فالسوريون مُعَدّون بيئيا وتركيبا ليكونوا من أمهر رجال الصناعة والأعمال - مع لبنان - بحكم أن لبنان والشام كانتا تعرفان إلى أوائل عقود القرن بسورية الكبرى كقوميةٍ واحدة. وكان في سورية صفة مهمة وهي احتواء العقول أكثر من تصارع الإثنيات. كانت فيها إثنيات كثيرة حتى بعض اليهود، وكان السوري يقسم الفئات بأن المسيحيين أهل طب وهندسة، ومسلمي حلب أهل صناعة وتشكيل، ويهود الشام أصحاب دقة في الصناعة اليدوية الخشبية والصرافة، وكان وسط سورية ودواخلها يصنفون مزارعين، وأهل فن، وأهل الرائحة العربية القبلية، بدون تصادم من أي نوع، ولكن بتداخلٍ فسيفسائي رسم اللوحة الشامية كأجمل ما تكون. سورية كانت أول من أطّلعت على ثقافة واحدة عالمية هي الفرنسية مع عربيةٍ قح، فانسجم الأداءُ الفكري والأسلوب التعبيري، ولم تكن فيها مشاحنات أدبية كما في مصر، حيث تعرضت لأكثر من ثقافة وكان الاصطدام بين المدارس واضحا، أو في العراق. مع الانقلابات تحولت سورية إلى دولة هزيلة بشعب محبَط لا يتنفس ذرّةَ حرية، وصارت زيارة أمٍّ في الريف يتطلب إذنا رسميا من المخابرات، وخربت وتداعت، ثم بدأت تنبت من تحت الصراعاتُ الإثنية والطائفية بتخطيط مبرمج. لا أظن أن عام 2013 سيكون عاما مريحا للشعب السوري، فسيستمر الصراع، وربما رحل الأسد أو قتل.. والخوف حين تبدأ التصفيات الطائفية، فإن من قتل له قريب، أو اغتصبت له قريبة، لن يسكت إلا بالثأر.. إلا إن جاء حكمٌ استطاع أن يحكم بحسم منذ البداية ثم ينقل الدولة بخطط مرحلية لمقام دولة عصرية.
إنشرها