Author

العمالة في السويد «درس حياة» لدول الخليج العربي

|
أستاذ جامعي ـ السويد
نشرت دائرة الإحصاء السويدية تقريرها الشهري عن حالة البلد في أواخر عام 2012. وهذه الدائرة ربما هي أهم دائرة حكومية في البلد، حيث تقدم إحصائيات مذهلة ودقيقة للغاية عن كل ما يتعلق بحياة المواطن، وتعد الأكثر تطورا في العالم. وملخصات لهذه الإحصائيات متوافرة على الشبكة العنقودية، وكل تفاصيلها توضع في خدمة الباحثين والعلماء والاختصاصيين في شتى مناحي الحياة. في هذا البلد ومن خلال دائرة الإحصاء باستطاعتك معرفة عدد الأبقار مثلا وما تنتجه من الحليب يوميا، وعدد الأشجار بأنواعها أو عدد الغزلان والولادات والوفيات المحتملة لها وسقف الصيد لكل موسم، وعدد الذئاب ومناطق وجودها، وعدد الأسماك وأنواعها في كل بحيرة من البحيرات التي يزيد عددها على 100 ألف بحيرة، حتى عدد الزهور البرية التي لا يجوز قطفها لندرتها، وغيرها من أمور قد لا تخطر في البال. فتصور عزيزي القارئ كيف يكون الحال إذا تعلق الأمر بمعلومات تخص المواطن (الإنسان)؟ وكنت في شوق كبير لقراءة الإحصائيات الأخيرة، ولا سيما ما يتعلق بالعمالة لأنها حديث الساعة في أوروبا، كذلك لرغبتي الشديدة في مقارنة الأرقام ومقاربتها مع الوضع العام للعمالة في بلد الحرمين أو في البلدان الخليجية الأخرى، حيث أغلبية قراء هذا العمود. والعمالة ليست حديث الساعة في الغرب. إنها واحد من أهم المواضيع الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية في الخليج العربي، ولا سيما في المملكة. وأنا أقدم آخر الأرقام أعلم أن البون شاسع بين السويد والخليج من الناحية الثقافية والدينية وغيرها، لكن لا يجوز الاختفاء وراء ''الخصوصية'' عندما يتعلق الأمر بمستقبل الشعوب والبلدان. حتى الدين والثقافة والخصوصية تحتاج إلى اقتصاد متين ومجتمع متماسك وعمالة وطنية تأخذ على عاتقها الدورة الإنتاجية في الخدمات والصناعة والزراعة والاستخراج وغيرها. عدد سكان السويد تسعة ملايين. إن قلت إن أكثر من نصف هؤلاء اليوم هم جزء حيوي من سوق العمل لما صدقني البعض. وإن قلت إن نحو نصف العاملين من النساء أيضا لما صدقني البعض. هذا بلد يبلغ عدد العاملين فيه 4.96 مليون شخص، أي ربما بقدر عدد الخادمات في بلد أو بلدين في الخليج وأقل من عدد العمالة الأجنبية في بعض البلدان الخليجية. الـ 4.96 مليون عامل سويدي يحافظون على مستوى معاشي يعد الأرقى في العالم من حيث الخدمات والمساواة الاجتماعية. على كواهلهم يقع واحد من أعلى مستويات الدخول في العالم، وواحد من أعلى معدلات الإنتاج القومي الإجمالي بسعر الصرف الحالي. وما جذب اهتمامي - وهذا له علاقة مباشرة بالعمالة، ولا سيما في بلد الحرمين – هو عدد العاملين من النساء. المرأة تشكل أكثر من 45 في المائة من القوى العاملة في هذا البلد، حيث يبلغ عدد العاملين من النساء نحو 2.4 مليون شخص من مجموع العاملين. هناك قانون في السويد يجبر أصحاب العمل من القطاعات كافة على ألا تقل نسبة الإناث من مجموع عدد العاملين عن 45 في المائة، وهناك عقوبات صارمة وغرامات عالية إن فشل صاحب العمل في إيصال نسبة العاملين من النساء إلى هذا المعدل. وأترك للقارئ مسألة المقاربة والمقارنة مع الوضع في الخليج العربي، مع الأخذ في الاعتبار أن ليس هناك ما يسمى ''عمالة أجنبية'' أو ''خدمة منزلية'' في السويد .. العمالة وطنية 100 في المائة. قلت وأؤكد هنا أنه دون تصحيح جذري لسوق العمالة في الخليج العربي وذلك بتوطينه، فإن ما نشاهده من عمارات شاهقة وأسواق وتطور عمراني يبهر نظر الكثيرين يبقى مظهرا وليس حقيقة. وفي الوضع الحالي تشكل العمالة الأجنبية ونسبتها العالية جدا خطورة كبيرة على ''الخصوصية'' التي يتكئ عليها البعض، لعرقلة تحديث قوانين التشغيل.
إنشرها