Author

ماذا وراء ضعف الاهتمام بمؤتمر الدوحة للمناخ؟

|
كان على المهتم بقضية تغير المناخ ويريد متابعة مجريات مؤتمر الدوحة حولها الذي عقد أخيرا، أن يبحث في زوايا الصفحات الخلفية للصحف العالمية المرموقة، أو يكل من التنقل بين نشرات الأخبار المرئية والمسموعة، ليحظى بالنذر القليل من المعلومات عما يجري في أروقة المؤتمر. فما العوامل التي خلف ضعف الاهتمام بمؤتمر الدوحة؟ على الرغم من أنه تزامن مع عاصفة مدمرة ضربت الفيليبيين، وبعد عاصفة ساندي التي ألحقت أضرارا فادحة بأجزاء كبيرة من الولايات المتحدة وكندا. خاصة وقد أصبحت من القناعات السائدة ارتباط قوة هذه العواصف وغيرها من الكوارث البيئية بظاهرة التغير المناخي الناتج عن انبعاث الغازات الدفيئة. ولم يأت ضعف الاهتمام بالمؤتمر نتيجة بروز معلومات جديدة مطمئنة للعالم حول تأثيرات هذه الظاهرة. حيث إن التوقعات بأن ترتفع حرارة الجو بمتوسط درجتين خلال العقود المقبلة ما زالت قائمة. لا شك أن خلو أجندة المؤتمر من أي بنود خلافية أسهم في ضعف المتابعة. حيث كان من المتوقع أن يستكمل ما تم الاتفاق عليه مبدئيا العام السابق في ديربورن، جنوب إفريقيا. وهو ما أقره المؤتمر والمتمثل في تمديد العمل في بروتوكول كيوتو حتى عام 2020 والاتفاق على إعداد معاهدة بديلة قبل عام 2015 لتحل محل هذا البروتوكول. لكن هذا العامل، مع وجاهته، لا يبرر عدم الاهتمام بمجريات المؤتمر في ضوء أهمية القضية وتأثيراتها المحتملة الجذرية والمتعددة الأبعاد. قد يكون السبب الأهم لضعف الاهتمام هو ازدياد القناعة بين الأوساط المعنية بأنه لم يعد ممكنا تجنب ارتفاع الحرارة بدرجتين مئويتين كما هو متوقع، نظرا لأن العالم لم ينجح في اتخاذ الإجراءات اللازمة، كما حددها بروتوكول كيوتو، لتدارك هذا الارتفاع. حيث تلزم هذه الإجراءات دول الشمال الصناعية، كونها المسؤول الأكبر تاريخيا عن انبعاث الغازات الدفيئة المتراكمة. لكن البروتوكول لم يكن فعالا، حيث لم تعتمده الولايات المتحدة الأمريكية، بينما انسحبت منه لاحقا كل من كندا واليابان، ولم ينجح الآخرون في تخفيض الانبعاثات إلى المستويات التي حددها. لذا انتقل اهتمام الأسرة الدولية إلى بلورة ما يمكن عمله لمواجهة آثار هذا الارتفاع في حرارة الجو والتأقلم معه، بدل محاولة منعه. إلا أن الإقرار بهذه النتيجة في ضوء عدم الالتزام بالبروتوكول، قد كشف نقطة الضعف الأساسية التي انطوى عليها، والتي كانت العامل الغائب الحاضر الذي لا يريد أحد ذكره تجنبا للحرج. ويتلخص في أن الأضرار المتوقعة في دول شمال الكرة الأرضية قد تكون محدودة يمكن التكيف معها بسهولة، حيث لدى الدول الغنية القدرات المطلوبة لذلك. كما أن العديد من الدول الشمالية الباردة قد تعوض بمنافع جمة. فمقابل بعض المناطق الساحلية التي قد تغمرها المياه، فإن مساحات شاسعة من الأراضي القطبية قد تصبح متاحة للتطوير والتنمية في حال ارتفاع حرارة الجو. فضلا عن أن ارتفاع الحرارة سيسهم في ارتفاع إنتاجية محاصيلها الزراعية. بعكس دول الوسط ودول الجنوب التي قد تخسر مساحات كبيرة من سواحلها وأن تعاني انخفاض إنتاجية زراعاتها فضلا عن انخفاض معدلات الأمطار وامتداد فترات الجفاف. في وجه هذه الحقائق الأليمة للدول النامية والمحرجة للدول الصناعية، حيث إنها ليست هي المسؤول الأساسي عن الغازات الدفيئة المتراكمة منذ بداية الثورة الصناعية فحسب، بل أيضا عن الأضرار التي قد تسببها ارتفاع حرارة الجو للدول النامية. أقرت الدول الصناعية بمسؤوليتها عن الأضرار التي قد تلحق بالدول النامية نتيجة ارتفاع حرارة الجو. حيث اعتبر ذلك إنجازا كبيرا لمؤتمر الدوحة كما اعتبرته الدول النامية نصرا مهما لها. وبناء عليه فقد دعا البيان النهائي للمؤتمر الدول الغنية لتوفير عشرة بلايين دولار سنويا حتى عام 2020، لمساعدة الدول المتضررة. وحيث إن هذه المعاهدة التي ستلي بروتوكول كيوتو ستكون ملزمة لجميع الدول ومن بينها الدول النامية، فيبدو واضحا أن الدول الصناعية قد نجحت في توزيع الالتزامات على الجميع بالرغم من مسؤوليتها التاريخية الكبرى. كل ذلك مقابل ''وعد'' منها بمساعدة الدول النامية في التعامل مع نتائج التغير المناخي، يفتقر إلى آلية محددة تضمن الوفاء بهذا الوعد. مع تغير وجهة الاهتمام من محاولة تدارك الارتفاع في حرارة الجو نحو التأقلم مع نتائجه، بدأت العديد من الدول المتقدمة تطوير النماذج المناخية المطلوبة لتوقع التغييرات وطبيعتها وتقدير تأثيراتها. خاصة المناطق الساحلية التي قد تهددها ارتفاع مستويات المحيطات، وكذلك سمات المتغيرات الجوية المستجدة كالعواصف العنيفة ومعدلات هطول الأمطار وغيرها. كل ذلك ليتم إدراجها في خطط محددة للتعديلات اللازمة على المخططات العمرانية والمناطق الصناعية ومواقع مرافق الخدمات، مثل محطات توليد الطاقة والموانئ البحرية وغيرها. وفي هذا الإطار، لا تجدر الاستهانة بما يواجهه العالم العربي من تحديات، خاصة أنه يقع في مناطق يتوقع لها أن تتأثر بشكل كبير. كما أنه يمتد على مساحات واسعة تجاور ثلاثة بحار: المتوسط والعربي والأحمر. هذا علاوة على أن المنطقة العربية تحتاج إلى نماذج مناخية أكثر دقة واعتمادية مما هو متوافر حاليا. لذا يجدر بالدول العربية سرعة تطوير قدراتها في مجال تحليل وتوقع التغيرات المناخية وتأثيراتها، فضلا عن إدراج هذه التوقعات في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتخطيط السكاني والعمراني. كما عليها معرفة التأثيرات المناخية المتوقعة على مواردها المائية وإنتاجية الأراضي الزراعية، وغيرها من الموارد البيئية. وبالتالي يقترح إنشاء مراكز أو معاهد إقليمية لأبحاث ودراسات المناخ تتوزع على دول مجلس التعاون الخليجي، ودول شرق البحر المتوسط، ودول شمال إفريقيا، وذلك لدعم عملية التأقلم وتقليص أضرار التغيرات المحتملة.
إنشرها