أخبار اقتصادية

تقرير: قضية بنك إتش إس بي سي تُبين أن النظام المصرفي لا يزال مليئاً بالمظالم

تقرير: قضية بنك إتش إس بي سي تُبين أن النظام المصرفي لا يزال مليئاً بالمظالم

وصف محلل مالي وقانوني متخصص في القضايا المالي أن قضية بنك إتش إس بي سي الأخيرة التي تورط البنك الشهير فيها بعمليات غسيل أموال وبإخفاقه في مراقبة تعاملات بلغت قيمتها 60 تريليون دولار، وإخفاقه في الاستجابة إلى 17 ألف تنبيه بخصوص الحسابات تُبين أن النظام البنكي لا يزال مليئاً بالمظالم. وكشف بورج كستم في تقرير تحليلي نشرته عن هذه القضية جورنال أوف تيركِش (Journal of turikish)، هناك كثير من الحجج التي تتقدم بها دوائر الأعمال تأييداً للقرار، وهي جميعاً صحيحة بصورة جزئية. على سبيل المثال، أشار بعض المحللين إلى أن مبلغ الغرامة، الذي حكمت به وزارة العدل الأمريكية من الحكم على الحالة، وبعد أشهر من التحقيقات قررت الموافقة على غرامة تصل إلى 1.2 مليار دولار، وهي أكبر غرامة من نوعها تفرض على أي بنك حتى الآن. لكن البنك كان في غاية الاستعداد والرضا لتسوية هذه القضية، كما اعترفت وزارة العدل نفسها رغم أنه مبلغ صغير بالقياس إلى أرباح البنك البالغة 46 مليار دولار خلال العام الحالي، يظل مع ذلك عقوبة ضخمة بالقياس إلى الماضي. فضلاً عن ذلك، هناك من يجادل بأن النظام البنكي ذا التعقيد البالغ يصنع ويعزز من ثقافة إساءة التصرف والتجاوزات، وهو نظام يتسم بأن المديرين التنفيذيين يمكن مكافأتهم على الدخول في تعاملات من هذا القبيل. وفي حين أن مبلغ الـ 60 تريليون دولار هو مبلغ ضخم ليس من السهل تجاهله، إلا أن ثقافة الإساءة والتجاوزات في مختلف أنحاء الصناعة البنكية هي أمر واضح من تقارير البنوك الأخرى التي تنفذ عمليات مماثلة في مجال غسيل الأموال. وأوضح بورج كستم الذي وقف في قضية البنك الأمريكي كثيرا، أنه من الواقع أن التقرير يعامل بنك إتش إس بي سي على أنها دراسة حالة لإثبات فكرة معينة، ما يعني ضمناً أن من الممكن تماماً أن تكون هناك قضايا أخرى. لكن لعل الأمر الذي يجعل بنك إتش إس بي سي أكثر عرضة للوم من غيره هو أن الإدارة التنفيذية التي كانت على علم بما يجري، وعند مستوى معين أقرت الإدارة ضمنياً بأن الجرائم التي من هذا القبيل ربما كانت تتم في البنك، وأنها كانت راضية بعدم القيام بالتحقيق في الأمر. لكن رغم هذه الوقائع، إلا أن البنوك الأمريكية بصورة عامة، بما في ذلك بنك إتش إس بي سي، ترغب تماماً في التحقيق في التعاملات المشبوهة. خذ مثلاً حالة حاكم ولاية نيويورك في السابق إليوت سبيتزر، الذي اضطر إلى الاستقالة حين تبين أنه قام بتعاملات بقيمة عشرة آلاف دولار مع عصابة للدعارة. ورغم أن مسؤوليته ليست قضية مهمة، إلا أن اللافت للنظر أن الذي كشف عن تعاملات سبيتزر كان بنك نورث فورك وبنك إتش إس بي سي، من خلال تكنولوجيا مكافحة غسيل الأموال. وبالتالي فإن سبيتزر، الذي كان من الدعاة المعروفين لفرض قوانين تنظيمية قوية على البنوك، اضطر لتقديم استقالته على الفور. من جانب آخر، ذكر المحلل بورج كستم أنه من الصحيح كذلك أن فرض عقوبة جنائية على بنك إتش إس بي سي، أو إغلاق مكاتبه أو توجيه اتهامات إلى المسؤولين التنفيذيين في البنك يمكن، على المدى القصير، أن تكون له عواقب خطيرة من الناحية الاقتصادية. لكن لاحظ ما يمكن أن يحدث لو برزت اتهامات مماثلة حول أحد المواطنين الأمريكيين. فما الذي يمكن أن يحدث لو أنه أخفق في مراعاة النظام من حيث إخفاقه في الإبلاغ عن اجتماع إرهابي تم تنظيمه في الغرفة الخلفية للمطعم الذي يتولى إدارته؟ أو خذ مثلاً حالة ملموسة وقعت فعلاً، وهي حالة ستيفاني جورج. فهذه الأم المطلقة هي امرأة أمريكية سبق أن أدينت بتهم تتعلق بمخدرات لم تتجاوز قيمتها 80 دولاراً، وحُكِم عليها بالسجن، لكن القاضي سمح لها بالعمل أثناء النهار والعودة إلى السجن في الليل. وبعد إدانتها بأربع سنوات اكتشفت الشرطة صندوقاً من الكوكايين الرديء مخبأً في مسكنها من قبل صديقها السابق. وأثناء المحاكمة علق القاضي على موقفها بالقول إن "دورها كان بالدرجة الأولى صديقة وحاملة المحفظة وحاملة النقود لشخص يتاجر في المخدرات، لكنها لم تشارك بصورة مباشرة في هذه التعاملات". لكن أحكام القانون ألزمت القاضي بالحكم عليها بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط. وأشار إلى أن المقارنة بين الحالتين لافتة للنطر فعلاً، ذلك أن ستيفاني تواجه تهماً مشابهة إلى حد كبير للتهم التي كانت تهدد بنك إتش إس بي سي، من حيث إخفاق البنك في الإبلاغ عن تعاملات غير قانونية تجري تحت سقفه. لكن الأمر الأسوأ هو أن وقائع القضية يُفهم منها ضمناً أن المرأة لم تستفد مالياً من التعاملات بسبب عدم ضلوعها المباشر، في حين أن البنك أبلغ عن تحقيق أرباح لا يستهان بها من تعاملاته مع كبار تجار المخدرات المكسيكيين. وبالتالي فإن عدم معاقبة البنك بالطريقة نفسها التي عوقبت بها تلك المرأة، يبدو أنه مثير للاستغراب تماماً، ويعتبر مخالفاً لواحد من أهم مبادئ النظام القضائي، وهو سيادة القانون. ومن الواضح أن إغلاق بنك إتش إس بي سي كان من شأنه إيذاء الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير، وهذا أمر بيِّن. لكن مضامين القرار مثيرة للقلق إلى حد كبير. أولاً لا يزال المسؤولون في المصارف بالمعنى الفعلي يتلقون المكافآت على تجاوزاتهم. ثم إن مبلغ الغرامة (أي 1.2 مليار دولار) أدنى بكثير من الأرباح التي حققها البنك والتنفيذيون فيه من هذه التعاملات. وهذا، بكل بساطة، أمر غير مقبول باعتباره نظاماً من الحوافز. ثانياً، وهو أمر مثير للقلق أكثر حتى من سابقه، هو النطاق الذي لا يزال فيه الاقتصاد الدولي محمولاً على النظام المالي ومعتمداً عليه. إن الأنموذج الاقتصادي الذي يخرج ضمناً من هذا الوضع هو أن جميع الأولويات الأخرى، مثل الحاجات الاقتصادية والعدالة والمساواة، يتم تقريرها بصورة كبيرة من خلال سلامة وضع النظام المالي. وفي حين أن المضامين الاقتصادية هي موضوع مقال آخر على الأرجح، فيما يتعلق بالنظام القضائي، إلا أن هذا الأسلوب في التعامل مع الأمور يبدو أنه شيء مريع. يذكر أنه في السابع عشر من تموز (يوليو) 2012 وُجِّهت اتهامات إلى بنك إتش إس بي سي بالتورط في غسيل أموال، وبإخفاقه في مراقبة تعاملات بلغت قيمتها 60 تريليون دولار، وإخفاقه في الاستجابة إلى 17 ألف تنبيه بخصوص الحسابات. وادعى تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي، أن هذه التعاملات تشتمل على أموال من كبار تجار المخدرات في المكسيك، ومن إيران وكوريا الشمالية وحماس. على الفور قامت وزارة العدل الأمريكية بدراسة الحالة، وبعد أشهر من التحقيقات قررت الموافقة على غرامة تصل إلى 1.2 مليار دولار، وهي أكبر غرامة من نوعها تفرض على أي بنك حتى الآن. لكن البنك كان في غاية الاستعداد والرضا لتسوية هذه القضية، كما اعترفت وزارة العدل نفسها في بيان جاء فيه: "قررت سلطات الولايات والحكومة الفدرالية عدم المضي في إدانة بنك إتش إس بي سي في قضية غسيل الأموال، بسبب مخاوف من أن توجيه تهم جنائية إلى البنك من شأنه تهديد وزعزعة واحد من أكبر البنوك في العالم، ومن الممكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة استقرار النظام المالي العالمي". يشار إلى أن الإجراءات المتشددة ضد عمليات غسيل الأموال، والمعمول بها من خلال عدة قوانين مثل قانونPATRIOT (التي تشكل الأحرف الأولى من عبارة معناها ’تقديم الأدوات المناسبة اللازمة لسد الطريق وإعاقة الأعمال الإرهابية‘)، من المؤكد أنها كانت ستشكل تهديداً خطيراً للبنك ولعملياته في الولايات المتحدة في حال أقيمت دعوى ضد البنك واضطراره إلى مواجهة المحلفين في قضية جنائية، خصوصاً بالنظر إلى الجو العام السلبي السائد في مختلف أنحاء الولايات المتحدة ضد البنوك الكبيرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية