Author

خطورة الشهادات الوهمية وتوابعها

|
لقد وَصفت - فيما مضى - انتشار الشهادات في مجتمعنا بـ "التسونامي"، الذي يجتاح المجتمع وكنت قلقاً من انتشارها كالنار في الهشيم، وحذرت – وغيري - من الأضرار التي قد تلحقها بالمجتمع، خاصة أن هناك عدداً متزايداً من المسؤولين على رأس العمل يسعون لنيل هذا النوع من الشهادات، وكنت أخشى دخول هؤلاء للدوائر الأكاديمية مباشرة وبطرق غير مباشرة. وكان قلقي يزداد كلما قرأت في الصحف المحلية عن حفلات كبيرة يقيمها الحاصلون على هذه الشهادات، خاصة من رجال الأعمال، تعبيراً عن فرحتهم بنيلهم هذه الشهادات التي لا تساوي – في واقع الأمر - قيمة "الكرتون الورقي" الذي طبعت عليه. لكني حمدت الله لما تحقق من إنجازات على أرض الواقع خلال الأشهر الماضية، فقد تزايد الوعي بضررها، وتنامي إنكار المجتمع لهذا النوع من الشهادات. وكثر المنادون بتجريمها، ومن أبرزهم عضو مجلس الشورى الدكتور موفق الرويلي، كما التفتت وزارة التعليم العالي بحزم وقامت بإغلاق عدد من مكاتب تسويقها، لكن ما يقلقني مناداة بعضهم بعدم إنكارها على من يحصل عليها بعد حصوله على المنصب. بعبارة أخرى، يرى البعض عدم تجريم مَن لم يستفد منها في الحصول على منصب إداري أو مرتبة علمية، خاصة عندما يكون الغرض هو كسب الوجاهة الاجتماعية فقط! في الحقيقة أستغرب هذا المنطق الأعوج والتبرير الأهوج. إن مسألة الحصول على شهادة وهمية هو أبعد وأخطر من عملية كسب الوجاهة ولبس المشلح وإلحاق حرف "الدال" بمقدمة الاسم، إنها تنطوي على غش وتدليس للمجتمع لا ينبغي التساهل بشأنه، بل إن من يسمح لنفسه بأن يحصل على هذا النوع من الشهادات ينبغي ألا يحظى بثقة المجتمع، وينبغي ألا يستمر في موقع إداري مهم. والسبب بسيط هو: كيف يمكن أن يثق به المجتمع في تولي شؤون الناس والتعامل مع قضاياهم، وهو لا يتورع عن التدليس ولا يمانع من حمل ألقاب علمية لم يبذل الجهد المطلوب للحصول عليها، ولا يمتلك الرصيد العلمي المقابل لمضمونها وقيمتها العلمية! بعض المجتمعات المتقدمة تستنكر هذه الممارسة بشدة، لدرجة أن المسؤولين في هذه الدول يلجأون إلى تقديم استقالاتهم حال اكتشاف ارتكابهم الغش في إعداد أطروحاتهم أو عدم أمانتهم في اقتباس نصوص لغيرهم، أو ممارستهم التزوير في شهاداتهم. ونحن المسلمين أولى الناس بإنكار الغش والتدليس. إن الدين الحنيف يحث على الأمانة وينهى عن الغش والتدليس. كيف لا يكون ذلك، ونحن نردد على مسامع أبنائنا الطلاب منذ نعومة أظفارهم عبارة تقول: "من غشنا فليس منا"؟ وهناك قضايا لا تقل عن الشهادات الوهمية خطورة، أرى ضرورة طرحها والتحذير منها، وأتمنى أن يحاربها المجتمع، ومنها كتابة الرسائل الجامعية والبحوث نيابة عن الطالب أو الباحث من قبل بعض العاملين في محال خدمات الطلاب أو "تجار شنطة" يقدمون خدماتهم من خلال الإعلانات في المنتديات على شبكة الإنترنت. وهذا أمر أصبح شائعاً بدرجة لا يمكن تجاهلها. إن بيع الأبحاث أو كتابتها بالوكالة يؤثر - سلباً - في طلاب المرحلة الجامعية والدراسات العليا، ويضعف إعدادهم وتأهيلهم لممارسة البحث العلمي، بل يدمر مستقبل الدراسات العليا والبحث العلمي، ويهدد مستقبل هذه الأمة. إن المساعدة على التحليل الإحصائي - على سبيل المثال - لا يعني تحليل النتائج وتفسيرها. والمفارقة المؤلمة أن الطالب في الجامعات في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة ينجز كل مراحل البحث العلمي، بما في ذلك إدخال بياناته، واستخراج نتائج دراسته وتفسيرها، وإعداد الرسوم البيانية المطلوبة لتوضيحها. أما في بلادنا العربية، فالأمر يختلف اختلافاً كبيراً، ما سيؤخر التعليم العالي، ويحد، بل يقتل التقدم والإبداع في مجال البحث العلمي. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: مَن المسؤول عن متابعة هذه الممارسات المخلة بأخلاقيات البحث العلمي؟ وما الجهة التي يمكن اللجوء إليها للإبلاغ عن هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها؟ هل هي وزارة التربية والتعليم أم وزارة التعليم العالي أم هيئة مكافحة الفساد؟ لا أحد يعرف!
إنشرها