default Author

كنز (البطاطس) الثمين!

|
ساهم كيس البطاطس الذي تتناوله وأنت تشاهد التلفاز أو تقدمه في أوقات الراحة في تغيير التاريخ، فبعد أن كان نبات البطاطس يستخدم للزينة فقط وتجمّل ملكة فرنسا ''ماري أنطوانيت'' شعرها بزهراته ويضعها زوجها لويس السادس عشر في عروة جاكته، أصبحت غذاءً رئيساً وخامس أهم محصول زراعي في العالم بعد الذرة والقمح والأرز والسكر، ومن أكثرها أنواعاً وتنوعاً حتى في طرق الطهي. جلبها الإسبان إلى أوروبا من جبال الإنديز في جنوب أمريكا حيث كانت وجبة رئيسة لشعب الأنكا حسبما دلت عليه رسوماتهم، استعاضوا بمادة استخرجوها من البطاطس تسمّى ''شونو'' عن القمح في صناعة الخبز، فأصبحت غذاءً بديلاً عن الحبوب التي اعتمد عليها سكان العالم لقرون في غذائهم. وانتقلت زراعة البطاطس إلى أوروبا فكانت وقوداً للثورات الصناعية، وانتشرت في أنحاء العالم طاردة الجوع ومحسنة للعيش ومساهمة في التطور الاقتصادي وزيادة عدد سكان الأرض، لذا اجتهد حكام أوروبا في تشجيع مواطنيهم على زراعتها لما رأوه من فوائدها وقلة تكلفتها، فاستوحى الفرنسيون أزياء من زهرة البطاطس لاستغلالها في التأثير في المزارعين بأهمية وجمال هذا النبات لزراعته ومن ثم أكله كنوع جديد من الغذاء، أما ''فريدريش الأكبر'' ملك بروسيا'' الألمانية في القرن الثامن عشر فقد أصدر مرسوماً يقضي بزراعة البطاطس واستخدم رجال الدين للترويج لذلك وبعد أن واجه معارضة من الشعب والمزارعين لجأ إلى حيلة ذكية لحثهم على زراعتها بأن أقام مزرعة ملكية للبطاطس وشدّد عليها الحراسة لمنع سرقة الدرنات، وللإيحاء للمزارعين بأنها ذات قيمة عالية. ولم يخب ظنه فقد قام المزارعون بانتزاعها وزراعتها في حقولهم، واليوم تغطي درنات البطاطس قبره عرفانا من محبيه بفضله في اكتشاف هذا الكنز. ورغم أنها ساهمت في إطعام العالم وإنقاذه من الجوع وتخصيص الأمم المتحدة سنة 2008م كاملة للاحتفال بها تحت شعار ''الكنز الدفين''، إلا أنها تسبّبت في وفاة مليون آيرلندي وهجرة وتشريد مثلهم في منتصف القرن الثامن عشر ما أدّى إلى انخفاض عدد السكان وتغيُّر المنظومة السكانية والسياسية في آيرلندا. فبسبب التعنت الديني والطبقية وتقسيم الأراضي عاش مُلاك الأراضي في نعيم خارج آيرلندا، أما سكانها فقد عانوا الفقر مما اضطرهم لزراعة البطاطس فقط لأنها النبات الوحيد الذي يعطي محصولاً جيداً في المساحات المتاحة لهم، كما أنه يغذي عائلاتهم وبذلك أصبحت البطاطس الأكثر زراعة وأهملت المحاصيل الأخرى. أدى ذلك إلى كارثة غذائية وإنسانية بعد أن أصابت آفة زراعية تسمى ''اللفحة المتأخرة'' نبات البطاطس وقضت عليه متسبّبة في ''مجاعة آيرلندا الكبرى''. وبعد هذه العلاقة الحميمة بين الإنسان والبطاطس والتي دامت لأكثر من 470 عاماً، يجب علينا الآن أن نتعود على غيابها، فبسبب الاحتباس الحراري قد تختفي هذه النبتة من موائدنا حسب تقرير الأمم المتحدة للأمن الغذائي ويحل محلها الموز أو نبات ''الكسافا''. وحتى ذلك اليوم تمتعوا بها ولا تصدقوا أنها تسبّب زيادة الوزن في حد ذاتها، بل ما يضاف إليها من زبد وأنواع مختلفة من الصلصات هي السبب، فحبة البطاطس المشوية والتي تزن 170 إلى 225 جراما تحتوي على أقل من 100 سعرة حرارية.
إنشرها