Author

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. أطالب!

|
يحتفل العالم خلال الأسبوع الثاني من كانون الأول (ديسمبر) كل عام بيوم مخصص لحقوق الإنسان. المهم، أنني كجزء من التزامي الوطني قررت أن أخصص مقالاً كاملاً لمناقشة حقوق الإنسان في المملكة من منظور جديد. يؤمن المواطن السعودي بأن له حقوقاً منتهكة. تبدأ هذه الحقوق بمجرد أن يصحو المواطن الكريم من نومه. تقوم الخادمة بتحضير إفطاره بدلاً من ربة بيته. يؤمن ابن بلدي أن زوجته لا تعامله كما تعامل أمُه أباه، لكنه نسي أن إيرادات زوجته تتجاوز عشرة آلاف ريال. نسي أنها تشاركه القرض الذي حصلا عليه مقابل الفيلا التي ''يتسدح'' فيها ليلاً ونهاراً. تناسى - أيضاً - أن دوره في البيت ''صوري''. تناسى أنه عاد إلى المنزل البارحة بعد الواحدة صباحاً لأن ''السهرة'' في الاستراحة كانت ''تستاهل''. أكثر من هذا نسي أنه لا يراجع دروس أبنائه، ولا يتابع صلاتهم وصحيانهم ونومهم، مع ذلك يعتبر حقوقه منتهكة. يخرج المواطن المسكين ليقود سيارته في زحمة جنونية، يكاد الكيلو متر يستهلك نصف ساعة من القيادة. حقوق المواطن في طريق فسيح خال من الزحام منتهكة. لكنه نسي أنه يتوجه للعمل في سيارة وكل من ابنيه في سيارة وابنتيه في سيارة وزوجته هي الأخرى في سيارة، فهو مساهم في هذا الازدحام بكل تفوق. يزيد الزحام وتبلغ النفسيات حدها، يحاول أن يجد مدخلاً بين سيارتين لكن سائقاً أجنبياً يستمر في مضايقته ويمنعه من التقدم. حالة نعانيها جميعاً، فالأجنبي يأتي وهو ألطف من النسيم، ينتظر ويتوقف ويستأذن ويحترم كل قوانين المرور، لكن البيئة تؤثر، يتحول هؤلاء الوادعون إلى مفترسين بعد أن تنتهك كل حقوقهم، بعد أن يشتموا ويهانوا في كل الشوارع. يتغير طبعهم بعد أن يكتشفوا أن كفلاءهم يدفعونهم نحو السرعة ومنع أي شخص من تجاوزهم، بل الدخول المتهور على السيارات الأخرى. يصبح هؤلاء مفترسين ما إن يكتشفوا أن البلد لا قانون فيها، إنما هي مجرد دمعات قليلة يذرفها السائق لتقع في قلب المواطن الكريم الذي يقول له ''لا تعيدها'' وينصرف. يلاحظ المواطن - عند الإشارة التالية - سلوكيات ''متخلفة'' من شاب أرعن يأتي من يمين الشارع ليقف أمام جميع السيارات، ينظر يميناً ويساراً فلا يرى أثراً للمرور. ينتهز الفرصة، يقرر قطع الإشارة بتصرف رجعي لا يمكن أن يقبله أي إنسان سوي. يتقدم صاحبنا وتكاد الإشارة القادمة أن تتحول إلى اللون الأحمر، فيضغط على ''البنزين''، تتحول الإشارة إلى الحمراء، لكنه كان قد قرر أن يقطعها على نظرية ''مجبر أخاك لا بطل''، وما دامت الإشارة دون كاميرات فلا بأس من تجاوزها، وفي سبيل ذلك اضطر إلى تغيير مساره فجأة، لأن السيارة التي أمامه توقفت فكاد يقع ضحية نظامية السائق الذي أمامه. يصل الموظف إلى فرع إحدى الوزارات، التي يحتاج إلى إنهاء معاملة شخصية فيها قبل أن يذهب إلى عمله. يصل ليكتشف أن الموظفين ما زالوا يتبادلون ساندويتشات الطعمية التي وصلت للتو. بقي ومعه مجموعة من المراجعين في الانتظار لمدة تجاوزت الساعة بعدها بدأ توزيع الأرقام لكن أول رقم وزعه الموظف كان 21، أي أن هناك 20 شخصاً قبلهم لا يعلمون من هم وأين ينتظرون، لكنهم اكتشفوا أن العشرين نزلوا من الدور العلوي حيث مكتب سعادة المدير العام، ومجموعة من مكتب المشرف وآخرون كانوا ضمن ''شلة'' الطعمية. ظلم أم تسيب أم فساد أو محسوبية، سمها ما شئت هي خرق واضح لحقوق الإنسان، لكنه تذكر أن اثنين من أصحابه سيأتيان لإنجاز معاملتيهما وسيدخلان بالسيارة مبنى الإدارة التي يعمل فيها، من أجل ''برستيجهما'' الذي يريد هو أن يثبته للجميع. تذكر أنه ما زال خارج مقر عمله، وأن زميله وقع عنه بالحضور، فهو أسوأ من الذين خرجوا من غرفة ''الطعمية''. ذهب إلى عمله ليتحمل ''غثا'' المراجعين ومطالباتهم وانتقاداتهم لسلوكه وسلوك زملائه وكأنهم ''يدفعون راتبه من جيوبهم!''. قرر أن يخرج مبكراً ليتفادى الزحام، فإذا بالجميع يخرجون، وإذا بالشارع يبكي من ضغط كل الناس الذين خرجوا في الصباح وعادوا قبل الظهر لإيصال أبنائهم ثم عادوا للعمل ليبقوا ساعة أو أقل عادوا بعدها إلى الشارع مرة أخرى. هذا ما يجعل ساعات الذروة في البلد تصل إلى خمس ساعات في الصباح، ثم تكملها عملية خروج موظفي الشركات، وأثنائها تتحرك سيارات موديلاتها أقل من صفر يستقلها عمال حرفيون يجوبون المدينة، وهي حال عماله الذين يتستر عليهم ويحصل من كل واحد منهم على 200 ريال في الشهر، سيضيف إليها 200 أخرى بعد قرار وزارة العمل. نسي أنه يسهم - أيضاً - في هذه الإشكالية. يذهب إلى المسجد متجهماً بخلاف ما يأمر به الشرع الحنيف، لكن حتى الشيخ متجهم بسبب ضغوط التعامل مع مجتمع متخلف لا يقدر حقوق الإنسان. يتجه إلى المنزل فيجد كل واحد في غرفته وكأنهم يعيشون في جزر متباعدة، لكن جمع أبنائه في هذا الوقت أو الحديث معهم سيكون سبباً في فقدانه الفرصة لسهرة ماتعة أخرى في الاستراحة. فيتسلل خارجاً. الحكمة: حقوق الإنسان مطلب الجميع، لكن لا بد أن يسهم الجميع فيها. لا يتحدث أحد عن الفساد أو المخالفات المرورية أو الفصام الأسري أو سوء أخلاق بعض رجال الدين أو فشل الأبناء في تحقيق أحلام الآباء أو انتفاش الزوجات ما دام مشاركاً في نشرها. لا تقل عن عمل إنه تخلف، ثم تأتي مثله، لأنك ستكون كبير المتخلفين.
إنشرها