Author

هيئة التحقيق والادعاء.. وأعباء المرحلة الجديدة

|
منذ أن تبنت الدولة إنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام حدثت قفزة واضحة المعالم في تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة الجنائية وفي ضمانات عدالة التحقيق، وتبع ذلك تقنين دقيق للإجراءات الجزائية وزيادة في ثقافة ووعي المدعي العام ومحامي الدفاع، ومع توسع الهيئة في افتتاح فروعها في مناطق المملكة ومحافظاتها ومد اختصاصها النوعية والمكانية بالتحقيق والادعاء والرقابة على السجون ودور التوقيف، زادت ثقة أصحاب القرار في إسناد عديد من الاختصاصات للهيئة، ذلك أن الإنجازات كماً وكيفاً كانت ملموسة وانعكست إيجاباً في مجال مكافحة الجريمة. ولقد جاء قرار مجلس الوزراء في السياق ذاته، حيث تضمن تدعيم مهام الهيئة تجاه المجتمع، وذلك بنقل اختصاص هيئة الرقابة والتحقيق المتعلق بالتحقيق والادعاء في الجرائم الجنائية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وفق ترتيبات إدارية زمنية بحيث تباشر هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق في جرائم الوظيفة العامة، منها الرشوة واختلاس المال العام وإساءة استغلال السلطة واستعمال النفوذ والتزوير والتزييف وغير ذلك من الجرائم، أما الجانب الرقابي فسينتقل - أيضاً - إلى ديوان المراقبة العامة ليتبقى لهيئة الرقابة والتحقيق نشاط المراجعة الميدانية فقط. ومن المؤكد أن هيئة التحقيق والادعاء العام ستواجه عبئاً ليس باليسير أبداً سواءً من حيث الكم أو من حيث نوع الجرائم التي يبدو أنها شملت كل الجرائم، فالهيئة كانت تقوم بدور النيابة العامة فقط وتقف إلى جانبها هيئة الرقابة والتحقيق بصفتها نيابة إدارية، أما اليوم فهيئة التحقيق والادعاء العام هي النيابة الوحيدة في البلاد ويمتد نطاقها إلى كل الجرائم، ومع السعة والمساحة الجغرافية للمملكة، فإن قيام هيئة التحقيق والادعاء العام وحدها بكل هذا العبء يحتاج إلى كوادر بشرية جاهزة ومهيأة للعمل في التحقيق في جميع الجرائم والادعاء فيها أيضاً. وما لا شك فيه أن هيئة التحقيق والادعاء العام ستستعين بالكوادر الحالية في هيئة الرقابة والتحقيق للقيام بالمهام والمسؤوليات الجديدة، لكن هيئة التحقيق عانت في السابق تسرباً وظيفياً كبيراً تمت مناقشته في مجلس الشورى، ولا بد من تعويضه بالتعيين لخريجين من كليات الشريعة ومن أقسام الأنظمة والقانون مع تكثيف الدورات التدريبية لهم سواء في معهد الإدارة العامة أو من خلال المحاضرات التي يلقيها المختصّون والخبراء والأكاديميون في مجالي التحقيق والادعاء. إن الأخذ بنظام نيابة واحدة في الدولة ودمج اختصاصات هيئة الرقابة والتحقيق بوصفها نيابة إدارية في هيئة التحقيق والادعاء العام كان مدروساً من قِبل اللجنة العليا للتنظيم الإداري، فالجريمة فعل أو قول غير مشروع ومُعاقب عليه شرعاً ونظاماً سواء كانت الجريمة وقعت على حق خاص أو حق عام أو كليهما، فالإجراءات التحقيقية والضمانات واحدة مع اختلاف في وسائل الكشف الفني في مسرح الجريمة حسب طبيعة كل جريمة وظروفها وملابساتها، وهذا مبرر قوي لتوحيد جهة التحقيق لضمان وحدة الإجراءات والضمانات ودقة تقارير الحالة الجنائية وفاعلية معالجة أوجه النقص والقصور إن وجدت. إن من حسنات قرار مجلس الوزراء في هذا الشأن أنه أشار إلى نقل اختصاصات جميع الجهات واللجان المتعلقة بالتحقيق والادعاء في جرائم جنائية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وفق جدول زمني يسبقه حصر وتحديد لتلك اللجان والجهات، وهو ما يؤكد زيادة عبء هيئة التحقيق والادعاء العام، لأنها ستكون السلطة الوحيدة المختصّة بجميع أعمال التحقيق الجنائي والادعاء في الجرائم، فضلاً عمّا يسنده النظام إليها من مهام، أهمها الرقابة والتفتيش على السجون ودور التوقيف.
إنشرها