Author

صُنع في السعودية

|

بعض الأخبار لها مفعول السحر في تغيير المزاج العام للمجتمع بشكل يفوق حملات العلاقات العامة، وهذا ما وضح جلياً مع الخبر الذي نشرته ''الاقتصادية'' على صدر صفحتها الأولى، أمس، بشأن إنشاء شركة جاكوار لاندروفر ثالث أكبر مصانعها في العالم في السعودية، لتكون ثاني شركة تصنع سياراتها في البلاد بعد شركة آيسوزو، فردود الفعل لهذه الخطوة المهمة في مسيرة التنويع الاقتصادي كان وقعها أكبر من مشاريع تكلف الدولة عشرات المليارات ومع ذلك لا يرى أثرها إلا وقت إعلانها ثم تغيب أو تغيّب.. لا فرق. بالطبع ليست مبالغة لو ذكرنا أن مشاريع تجميع السيارات في السعودية هذه من الخطوات الحقيقية النادرة التي اتخذت لتنويع مصادر الدخل تبعاً للتوجه الاستراتيجي للحكومة في أن الصناعة هي الخيار الاستراتيجي للتنمية المستدامة وإيجاد فرص عمل للمواطنين والمواطنات. وعلى ذكر فرص العمل، أشير إلى أن قطاع تصنيع السيارات في إيران يوظف نصف مليون عامل، أما في تركيا فإن عدد الوظائف الذي أضافه القطاع في ٢٠١١ بلغ أربعة آلاف وظيفة، وهو ما يعني أن دخول شركات عالمية أخرى بغرض الاستثمار الصناعي، وهو ما تدرسه حالياً هيئة المدن الصناعية، سيعمل على تحفيز النمو الصناعي وسيسهم في خلق وظائف جديدة، ناهيك أن مثل هذه الاستثمارات الصناعية تعد ذات قيمة مضافة، ما يخلق قاعدة صناعية قوية نحن في أمس الحاجة إليها لتقليل الاعتماد الكبير على النفط. ولعلنا ونحن نستقبل هذه الاستثمارات الصناعية المختلفة نوعياً عما قبلها، فلا أقل من تضمين هذا التوجه الصناعي ضمن الاستراتيجيات التنموية، فاتخاذ نموذج اقتصادي مناسب لن يكون بتحرك (مدن) وحدها أو بدعم وزارة التجارة والصناعة أو وزارة المالية مثلاً، فتجارب الدول قبلنا تثبت أن سر النجاح هو في تكامل جهاتها كافة للوصول لغاية يمكن قياسها وتنفيذها، وهنا أتفهم وجود اتفاقيات مع شركات عالمية لا يمكن الإعلان عنها، لكن ما المانع من وضع استراتيجية واضحة المعالم بعيدة المدى وإشراك القطاع الخاص فيها والإعلان عن تفاصيلها، بدلاً من الاستمرار في سياسة التكتم وكأن ما نتحدث عنه أسرار نووية لا صناعة سيارات؟ قيام صناعة للسيارات في السعودية أمر متاح ووارد جداً، خاصة في ظل ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي والسكاني، ووجود حوافز ضريبية واستثمارية، علاوة على قربها من مصادر المواد الخام الأساسية المتوافرة بأسعار رخيصة، على عكس أغلبية الدول الأوروبية التي تطحنها أزمة الديون السيادية، ما أسفر عن إغلاق العديد من مصانع شركات السيارات الكبرى، وتسبب في تراجعها عن خططها التوسعية. صُنع في السعودية.. ستكون العبارة التي تحملها السيارات، سواء تلك التي ستكون للإنتاج المحلي أو تلك التي ستصدر للخارج، وهي أيضاً العبارة التي من المؤمل أن تحمل معها خريطة طريق صناعية، حتى نتأكد أننا فعلاً نمضي على المسار الصحيح.

إنشرها