Author

دموع التماسيح

|
لا أتذكر في تاريخي التجاري والصناعي أن رأيت أصحاب الأعمال يتكتلون إلا عندما فرضت الدولة رسوم التأمينات الاجتماعية التي أصبحت اليوم سنداً لكل عامل. لقد هبت الغرف صغيرها قبل كبيرها وجنوبها قبل شمالها في وجه قرار الـ "200 ريـال" شهريا يدفعها صاحب المنشأة بشروطه المحدودة. ومن المؤسف حقا أن نال البعض من وزير العمل شخصيا على الإنترنت ولم يظهروا إلا ما في أنفسهم، هل الدولة غير قادرة على تمويل صندوق الموارد البشرية؟ طبعا لا، ولكن مشاركة القطاع الخاص في تحمل جميع أعباء هذا الصندوق هي جزء من مساهمتهم في توطين الوظائف بجدية. منذ أكثر من عشرين عاما والأمير نايف - طيب الله ثراه - يطالبنا في كل مناسبة بتوظيف المواطنين وتدريبهم، وماذا كانت النتيجة؟ قليل من لبى الطلب والبعض تجاهل لأسباب وجيهة مكررة ولكنه لم يحاول بجدية المشاركة في المسؤولية. وآخرون لا تفرق معهم لأنهم منشآت متسترة ومدارة من قبل الوافدين وما هم إلا مندوبون عند الدوائر الحكومية وجامعو أتاوات سواء شهرية أو سنوية. كنا نقرأ أن بعض فروع وزارة التجارة تفتخر بزيادة إصدارات السجلات التجارية سنة بعد أخرى وخصوصا أن تلك المدن أو المقاطعات لا يوجد فيها ذلك النمو من الأعمال الجديدة التي تستوجب كل تلك السجلات، والقصة معروفة، الرّبع يصدرون سجلات لاستخدامها في الاستقدام وجلب العمال لاستغلالهم وتسريحهم وتركهم يتجولون في جميع أنحاء المملكة، حتى طالب بعضهم أخيرا بأن تعوضه الدولة عن نقص ذلك الدخل المحرّم الذي ترفضه الدولة ونهى عنه فضيلة المفتي العام وعلماؤنا، لأنه أصبح حقاً لهم، في رأيهم، بدأوا بشرعية الرسم وعدم دراسته واستعجال تنفيذه وسيرفعون دعاوى على وزير العمل مع أن القرار صادر من مجلس الوزراء، ورفعوا أصواتهم في غرفهم وتجمهر بعضهم لدى مكاتب العمل حتى هددوا بالاعتصام وهذه النوعية بالتأكيد من أصحاب السجلات المشكوك في أعمالها وهددوا بالتظلم لدى ديوان المظالم، وطالبوا الدولة بإلغائه، وطالب البعض باستئناء شركات النظافة ثم شركات التشغيل والصيانة ثم شركات المقاولات وشركات النقل ثم طالبوا باستثناء المنشآت المتوسطة والصغيرة ثم منشآت شباب رجال الأعمال، ولم يتركوا نشاطا إلا واستثنوه. ورأيت دموع التماسيح لأول مرة، مقاول يشتكي أنه سيدفع خمسة ملايين ريـال في السنة ويندب حظه لأنه سيخسر، وليته يخسر. إذا كان عنده 2083 عاملا ما حجم مشاريعه السنوية أو دخله منهم؟ هل ربحه أقل من خمسة ملايين لذلك سيقفل. إذا كان هذا حاله فبالتأكيد أولى له وللوطن أن يعزّل. كذلك المقاول الذي عنده أكثر من ثلاثين ألف عامل يريد الاستثناء، مع آلاف الملايين التي صرفتها الدولة بدون حساب مع كبار المقاولين فقد فشلوا في توطين حقيقي للوظائف المعمارية وكل ما عملوه أنهم رفعوا الرواتب وسحبوا مهندسي المؤسسات والمقاولين الصغار من العمالة الوطنية بدلا من أن يضعوا معاهد وبرامج تدريب محددة وبأعداد أكبر من حاجتهم حتى يستفيد منها القطاع وليس العكس، خصوصا لأنهم تمتعوا وسيتمتعون بمواقع خاصة لا تنافسهم عليها الشركات العالمية، ويا بخت من نفّع واستنفع. هدد بعضهم بعدم مشاركتهم في المشاريع الجديدة وهدد البعض الآخر بقفل نشاطه والاستثمار في دول مجاورة ولا أعلم من يمنعهم. فإذا تركنا طلبات الاستثناءات قام البعض بمطالبة الدولة بتعويضهم وإلا سيأخذوها إلى القضاء، وأتمنى على الدولة عدم تعويض أو استثناء أي فئة. هذا الرسم هو بداية خطة الإصلاح حتى يصحو القطاع الخاص ويشعر بأنه سيتضرر إذا لم يوطن الوظائف بقدر المستطاع وهذا الرسم هو جزء من مجموعة قرارات سوف تصدر لتصحيح وضع العمالة الأجنبية وعلاقة صاحب العمل بالعامل. إن ثقافة قعود شبابنا في البيوت وترفعهم عن المهن واستقدام العامل الأجنبي ينبغي أن تنتهي تدريجيا بإذن الله. هدد البعض أنه لن يدفع الرسوم ظنا منه أنه لن يعاقب بشدة، وهدد البعض أن القرار سوف يزيد من هروب العمالة الوافدة ويزيد من أعداد العمالة السائبة ويظنون أن تلك العمالة سوف تستمر في تسيبها. وهذه شركة نقل تعترف بأن السائق السعودي يرغب في الحصول على قرض ثم يقود شاحنته بنفسه ولا يريد أن يعمل لدى شركة نقل، وهذا هو الهدف وحسب خبرتي فإننا نتعامل مع مخلصين وطنيين كانوا يشترون الشاحنة ثم يضعون عليها سائقا منهم كشريك ومعه مساعد وطني وبعد سنتين تقوم المجموعة بشراء شاحنة جديدة له ثم يعمل على نفس المنوال، ولكن الآن يجب أن توجد الجهة التي تمول هؤلاء الأفراد من المواطنين بقروض ميسرة للتوسع في عمليات النقل والعمل عليها بأنفسهم. وعلينا أن نعترف بأن كثيرا من القطاعات والمهن لا يمكن توطينها فورا ولا يمكن أن نعطل الاقتصاد وحركة الأعمال، لذلك يجب وبالحوار مع رجال الأعمال أن تراجع الدولة القرار وليس أن تلغيه وذلك بتحديد نسبة السعودة في كل قطاع بالاتفاق مع ممثلي كل قطاع، نسب يمكن الوصول إليها ثم مراجعتها كل ثلاث سنوات، على أن يعدل الرسم ليصبح مائة ريـال لكل مؤسسة لديها عامل أجنبي دون استثناء وكذلك مائتا ريـال شهريا إضافية عن كل عامل أجنبي لدى المنشأة، ينقص عن النسبة المقررة لنوع النشاط. فإذا كان لدى منشأة خمسين عاملا منهم عشرة سعوديون ونسبة التوطين المطلوبة 30 في المائة للقطاع فإن المؤسسة سوف تدفع مائة ريـال شهريا عن أربعين وافدا بالإضافة إلى 200 ريـال عن خمسة عمال. تلك المنشأة أو غيرها سوف تستفيد من دعم صندوق الموارد البشرية الذي رفع مشاركته إلى أربعة آلاف ريـال ولمدة أربع سنوات في بعض الحالات، وهذا سيساعد كل منشأة على توظيف وتدريب قدر أكبر من العمالة الوطنية ومن لا يرغب فإنه بطريق غير مباشر يساهم غصبا في دعم الصندوق وأهدافه. السؤال هل هذا هو الحل الوحيد؟ طبعا اتفق مع الجميع أن هناك قرارات أخرى غير اعتيادية يجب أن تتخذ من قبل الدولة بعد الحوار مع القطاع الخاص ومنها تعديلات مطلوبة لنظام العمل مثل الأربعين ساعة في الأسبوع ويومين إجازة – الجمعة والسبت، مع تغيير دوام الدولة لتصبح عطلتها الأسبوعية يومي الجمعة والسبت وكذلك تنظيم عمل العمالة الوافدة بطريقة واقعية وليست نظرية وهذا هو الأهم الذي قد أتمكن من طرحه في المقالة اللاحقة.
إنشرها